هو صاحب سفر صفنيا - السفر التاسع بين الأنبياء الصغار؛ ونكاد لا نعرف شيئًا عن شخصيته خارج ما جاء في نبوته·
«كلمة الرب التي صارت إلى صفنيا بن كوشي بن جدليا بن أمريا بن حزقيا، في أيام يوشيا بن آمون ملك يهوذا» (1: 1)· فهو أغلب الظن حفيد الملك التقي حزقيا، وتنبأ في أيام يوشيا آخر ملوك يهوذا الاتقياء، وربما كان صديقًا شخصيًا للملك ومقرَّبًا منه· تنبأ في الفترة بين 640 إلى 621 ق·م·
والاسم صفنيا معناه «الرب يخبّئ» أو «الرب يحرس» ويشير إلى الشخص الذي يخبئه الرب ويحرسه في يوم الخطر والدمار؛ وهذا يتمشّى مع موضوع نبوته التي تتحدث عن يوم الرب يوم القضاء الرهيب·
ما الذي نتعلمه من صفنيا ومن نبوّته؟
أولاً: شرّ رهيب
تنبأ صفنيا عن شرِّ مملكة يهوذا ومدينة أورشليم بالتفصيل· فهو لم يَخَفْ أن يكشف الحالة، كما أنه على الرغم من كونه رجلاً معروفًا في البلاط الملكي ودوائر الحكم لكنه لم يُخفِّف من وطأة كلامه· لم يساوم أو يقدِّم تنازلاً عن حقوق الله· بل باعتباره رجل الله المتحدِّث بِلسان الله فقد أعلن الحقيقة كما هي·· وهنا درس هام لكل خادم أمين للرب·
أما الشرور التي عدَّدها فهي:
العبادة الوثنية: «الساجدين على السطوح لجند السماء» (1: 5)·
المزج بين عبادة الرب والعبادة الوثنية: «الحالفين بالرب والحالفين بملكوم (ملكوم إله وثني)» (1: 5)· وهذا أكثر ما يغيظ الرب ويستجلب دينونته· إنها ذات خطية الشعب أيام إيليا «حتى متى تعرجون بين الفرقتين؟»، وذات خطية المسيحية: «لست باردًا ولا حارًا· ليتك كنت باردًا أو حارًا· هكذا لأنك فاتر ولست باردًا ولا حارًا أنا مزمع أن أتقيأك من فمي» (رؤيا3: 15 ، 16)·
أما أصل هذه الشرور كلها فهو التحول عن الرب «المرتدين من وراء الرب والذين لم يطلبوا الرب ولا سألوا عنه» (1: 6)·
لكن يضيف صفنيا أيضًا شرًّا رهيبًا فيقول إن الرب سيعاقب الرجال «القائلين في قلوبهم أن الرب لا يحسن ولا يسيء» (1: 12)؛ أي اتهموا الرب بأنه كأنه لا يهتم بالتفريق بين الخير والشر والحق والباطل، كأنه لا يتدخل ولا يبالي بما يحدث على الأرض· ويا للأسف أن نجد هذه الخطية اليوم حتى في أناس مسيحيين اسمًا مقتنعين بينهم وبين نفوسهم أن الله لا سلطان له ولا عمل له بين البشر·
ثانيًا: طريق وحيد
ازاء هذه الصورة القاتمة المظلمة أ يوجد رجاء؟ أ يوجد رجاء للفرد أو للأسرة أو للأمة؟
قيل عن اللورد جراي (وزير خارجية إنجلترا وقت الحرب العالمية الأولى) إنه فتح النافذة وصاح: «على الدنيا السلام»· وأخذ يسأل نفسه: ترى هل نهضت بريطانيا متأخرة أم ضاعت الفرصة؟! ولعل هذا السؤال كان في ذهن يوشيا الملك وصفنيا النبي: هل من رجاء؟!
أين الرجاء؟ إنه في التوبة الصادقة والرجوع الحقيقي إلى الله· لذا حثّ صفنيا الشعب قائلاً: «اطلبوا الرب يا جميع بائسي الأرض الذين فعلوا حُكمَه· اطلبوا البر· اطلبوا التواضع· لعلكم تُستَرون في يوم سخط الرب» (2: 3)·
دعا صفنيا الشعب إلى توبة صادقة؛ والرب يسوع المسيح حذَّر سامعيه «إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون» (لوقا13: 3)·
ما هي التوبة؟ إنها ليست مجرد الندم والحزن على الخطية· إنها تغيير في التفكير وتغيير في السلوك وتغيير في الأفعال· والتوبة بمفردها لا تكفي فينبغي أن يصاحبها الإيمان بالرب يسوع المخلّص، لذا كان بولس دائمًا يُعلم «بالتوبة إلى الله والإيمان الذي بربنا يسوع المسيح» (أعمال20: 21)· ولا بد أن يكون للتوبة ثمارًا حقيقية مرئية «اصنعوا اثمارًا تليق بالتوبة» (لوقا3: 8)·
ثالثًا: يوم عظيم
رسم صفنيا صورة رهيبة مرعبة عن «يوم الرب» وهو يوم القضاء والدينونة؛ هذه الصورة أخذت شكلها الأول في غزو الكلدانيين، والذي كان مخيفًا إلى أبعد الحدود وفوق تصور كل إنسان· لكن صفنيا أيضًا يقصد يوم الرب المقبل؛ وهو يوم ظهور المسيح للدينونة في نهاية الضيقة العظمى التي ستلي اختطاف الكنيسة· هذا اليوم أُشير إليه كثيرًا في نبوات العهد القديم، كما أشار إليه المسيح في متى24، وتحدّث عنه بولس في 1تسالونيكي5 ثم 2تسالونيكي2·
«اسكت قدام السيد الرب لأن يوم الرب قريب» (1: 7)·
«قريب يوم الرب العظيم قريب وسريع جدًا··· وأضايق الناس فيمشون كالعُمي لأنهم أخطأوا إلى الرب، فيسفح دمهم كالتراب ولحمهم كالجلة· لا فضتهم ولا ذهبهم يستطيع إنقاذهم في يوم غضب الرب···» (1: 14-18)·
رابعًا: رجاء منير
ختم صفنيا نبوته بأنْ رسم صورة مليئة بالضياء والبهجة والفرح قدام شعبه؛ فبعد أن تتم توبة بقية منهم، ثم يُدخلهم المسيح كالملك في ملكوته ليتمتعوا بالفرح والسلام والانقاذ، في ذلك الوقت هو نفسه سيفرح بهم أكثر من فرحهم به· هذه هي أفراح مُلك المسيا الأرضي· لكن ماذا ستكون إذًا أفراح السماء بالمفديين؟ من يتصور فرح المسيح العريس بنا لما يأتي ليأخذنا إليه كعروسه ونُزَف إليه في السماء ويُقام هناك عشاء عرس الخروف (رؤيا19)؟
تأمل في الكلمة التي يختم بها صفنيا نبوته:
«ترنمي يا ابنة صهيون··· الرب إلهك في وسطك جبار· يخلص· يبتهج بك فرحًا· يسكت في محبته يبتهج بك بترنم· أجمع المحزونين على الموسم···» (3: 14-20)·
كلمة أخيرة
لنقدِّم للنفوس الغالية التي حولنا رسالة الخلاص، لنحذِّرهم من الدينونة، ولنرسم أمامهم صليب المسيح، ولنكن نحن أنفسنا فرحين مرنمين· إن القلب الذي يحب الرب لا بد أن يفيض بالترنم والتسبيح، وكلما ثبّتنا العين على الرب كلما تفجّرت من قلوبنا تعبيرات الفرح تلقائيًا وترنمت ألسنتنا بالحمد له·