أخيرًا أتممت كل شيء يعيقني عن الانتحار، قالتها لورا الشابة البائسة، والتي كانت تشعر بالاكتئاب والحزن بعدما فشلت في أن تجد معنى للحياة، أو مصدرًا حقيقيًا للسعادة وسط أتعاب العالم وخيانة وشرور البشر المتزايدة· قالتها وهي في غرفتها التي أستأجرتها في فندق بوسط مدينة تولسا Tulsa بولاية أوكلاهوما Oklahoma الأمريكية في شهر ديسمبر عام 1950م، في الوقت الذي كان الجميع يحتفلون هناك بأعياد الكريسماس، بينما كانت تشعر هي بأن برودة الجو والرياح العاتية في هذه الليلة تتناغم مع البرودة والوحدة والاكتئاب الذي تعاني منه·
جاءت لورا لتولسا لترى أخاها البروفيسور في جامعة تولسا للمرة الأخيرة قبل أن تنتحر· وبعدما تقابلت معه أخذت تنفذ عزمها· وقبل أن تنتحر، رفعت لورا الستائر الخضراء التي على شباك حجرتها المواجه لطريق بوستون Boston Avenue، فجذب انتباهها ضوء شديد اللمعان يشع في الظلام ويملأ السماء، فذكّرها هذا الضوء بالأمل الذي ظلت تبحث عنه كثيرًا، ولا سيما طوال الثلاث السنين الأخيرة من حياتها·
ارتدت لورا ملابسها مرة أخرى، ونزلت مسرعة إلى موظف الاستقبال في الفندق، وسألته عن مصدر الضوء، فأجابها أن الضوء قادم من منارة كنيسة بطريق بوستون· وبعدما عرفت منه عنوان الكنيسة انطلقت مسرعة تجاهها·
كان الدكتور بول جالواي Dr. Paul Galloway خادم الكنيسة قد تأخر اليوم في مكتبه بالكنيسة، على غير المعتاد، ليجهِّز بعض الكتابات الهامة· ووسط هدوء الليل فوجئ بباب المكتب يُفتح، وتدخل عليه دون إذن، فتاة أنيقة ترتدي بالطو فرو رائع مهندم، وتغلق الباب خلفها وتواجهه قائلة: "هل أنت الخادم في هذه الكنيسة؟" أجابها الدكتور پول بالإيجاب· فبادرته بسرعة قائلة: "ماذا يمكنك أن تقول لإنسان يُقدِم على الانتحار الآن؟"·
دار حديث طويل بينهما، وبعد مجهود طويل قال الدكتور جالواي للورا: "هل تسمحين بقراءة كتابين هامين عن معنى الحياة وقيمتها في المسيح قبل أن تدمّري حياتك وتنتحري؟" قدّم الدكتور پول جالواي للورا كتابًا منهما، وقال لها إنه يريد أن يعطيها الكتاب الآخر لكنه في البيت· وطلب منها أن ترافقه للبيت، فوافقت على مضض، بعد تردد شديد· وكان هو يريد أن يعرفها بزوجته، لتساعدها على اجتياز المحنة· لكن لورا رفضت دخول البيت· قام الدكتور پول وزوجته بتوصيلها للفندق، وتركاها بعد أن صلّيا لأجلها·
بعد أسبوعين وصل الكتاب الأول للدكتور پول بالبريد، وبعد عدة أسابيع وصله الكتاب الثاني· وكان هو وزوجته يصلّيان لأجل لورا دائمًا، متشوقان لمعرفة ماذا حدث لها: هل ستعاود محاولة الأنتحار؟ هل سترجع للمسيح؟
وبعد عام من هذه المقابلة، وفي أيام الكريسماس، وصلت للدكتور بول جالواي وزوجته برقية تهنئة رائعة من لورا، قالت فيها إن دفء المحبة التي عاملوها بها في تلك الليلة، ونور المنارة التي قادتها للكنيسة، كانا الشعاع الأول لنور إنجيل «مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ والْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ» (2تيموثاوس1: 10)· وقالت لورا إنها التحقت بمدرسة للطب، ليساعدها الطب في خدمتها كمُرسَلة، لتكون شعاعًا من ضوء منارة الإنجيل، ليصل نور الإنجيل لكل يائس وحزين، نظيرها قبل أن تتقابل مقابلة شخصية مع الرب يسوع المسيح· وطلبت من الكنيسة الاهتمام بنور المنارة، لا في أيام الكريسماس فقط بل كل أيام العام·
قارئي العزيز·· قارئتي العزيزة·· الرب يسوع هو «النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِياً إِلَى الْعَالَمِ» (يوحنا1: 9)· ولقد قال عن نفسه «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ· مَنْ يَتْبَعْنِي فلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ، بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ» (يوحنا8: 12)· وعدم التوبة والمجيء إلى نوره، يشكِّلان حيثيات الدينونة كما قال المسيح: «وَهَذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ؛ لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً· لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ السَّيِّآتِ يُبْغِضُ النُّورَ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى النُّورِ لِئلا تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ· وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُ الْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى النُّورِ، لِكَيْ تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِالله مَعْمُولَةٌ» (يوحنا3: 19-21)·
وعندما نؤمن به، ينعكس نوره منا كنور منارة كنيسة تولسا· فلقد قال الرب يسوع : «أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ· لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَلٍ» (متى5: 14)·
ولقد حذّر المسيح من احتجاب نوره منا، وهذه بعض الأسباب العملية: -
1-لا للمكيال: «وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجاً وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ، فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ· فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّـذِي فِـي السَّـمَـاوَاتِ» (متى5: 15 ،16)· والمكيال يرمز لتجارة العالم (لوقا14: 19)·
2-لا للإناء: «وليس أحد يوقد سراجًا ويغطّيه بإناء» (لوقا8: 16)· والإناء يرمز للجسد وشهواته (2كورنثوس4: 7)·
3-لا للسرير: «أَوْ يَضَعُهُ تَحْتَ سَرِيرٍ بَلْ يَضَعُهُ عَلَى مَنَارَةٍ لِيَنْظُرَ الدَّاخِلُونَ النُّور» (لوقا8: 16)· والسرير رمز للكسل الروحي (متى25: 26)·
4-لا للخفية: «لَيْسَ أَحَدٌ يُوقِدُ سِرَاجاً وَيَضَعُهُ فِي خُفْيَةٍ ··· بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ لِكَيْ يَنْظُرَ الدَّاخِلُونَ النُّورَ» (لو11: 33)·
القارئ العزيز·· القارئة العزيزة: هل تمتعت بنور المسيح وأصبحت شعاعًا من ضوء منارته؟ هل تأتي إليه الآن لتكون مثل لورا؟ صلِّ معي·
صلاة: يا نور العالم الحقيقي·· كيف غطّاك الظلام يا حبيبي، وأنت تحمل عقابي وصليبي؟ خلّصني بدماك، وكُن لي نصيبي·· فأبشر بك وبنورك العجيبِِِِ· آمين