يشتهر حَجَّي بين كل الأنبياء بهذه الصفة الجميلة، التي ذُكرت عنه في نبوته «فقال حَجَّي، رسول الرب برسالة الرب···» (حجي1: 13)· وغير هذا لا نعرف عنه سوى القليل (عزرا5: 1، نبوة حَجَّي)·
والله قصد ألاّ يحدّثنا كثيرًا عن شخصيته لكن عن رسالته، وكأن الرب يقول لنا "ليس المهم في الخادم صورته بل صوته"! أ لم يقل يوحنا المعمدان «أنا صوت صارخ في البرية»· كثيرون يركزون على الإناء، لكن الرب يركِّز على كلمته التي يوصِّلها هذا الإناء·
وكلمة «حَجَّي» تعني "الذي يعيِّد"، وقد أرسله الرب برسالة توبيخ للشعب لتراخيهم في بناء الهيكل·
متى تنبأ حَجَّي؟
حتى نعرف توقيت خدمة حَجَّي، علينا أن نفهم التواريخ التالية:
- السبي البابلي، حوالي سنة 586 ق·م
- الرجوع الأول من السبي إلى أورشليم، حوالي سنة 538 ق·م
- خدمة النبيين حَجَّي وزكريا، حوالي سنة 520 ق·م
- اكتمال بناء الهيكل· حوالي سنة 516 ق·م
إذًا نبوة حَجَّي كانت تقريبًا سنة 520 ق·م· وقد استغرقت فترة قصيرة لا تزيد على الأربعة الأشهر·
رسالة حَجَّي
يمكن تقسيم رسالته إلى قسمين رئيسين: التوبيخ، ثم التشجيع·
أولاً: رسالة التوبيخ
«هل الوقت لكم أنتم أن تسكنوا في بيوتكم المغشاة وهذا البيت خراب· والآن فهكذا قال رب الجنود: اجعلوا قلبكم على طرقكم» (حجي1: 3-5)·
لما عادت جماعة من اليهود من السبي إلى أورشليم، تحت قيادة الوالي زربابل بن شألتيئيل ورئيس الكهنة يهوشع بن يهوصادق، كان همهم الأول بناء الهيكل· وفعلاً أقاموا المذبح في مكانه واصعدوا عليه الذبائح، ثم وضعوا حجر الأساس للهيكل وشرعوا في بنائه (عزرا3)· لكن الحقيقة كانت في قلوبهم، وهذا ما كاشفهم به حَجَّي: «اجعلوا قلبكم على طرقكم»؛ أي امتحنوا أنفسكم· كونوا صادقين مع أنفسكم· لا تخدعوا أنفسكم· لقد أعطيتم الأولوية لبيوتكم، وغشّيتموها بخشب الأرز، وتركتم بيتي خرابًا· لهذا السبب انظروا ما فعلته بكم: زرعتم كثيرًا ودخلتم قليلاً· تأكلون وليس إلى الشبع، تشربون ولا تروون· تكتسون ولا تدفأون· والآخذ أجرة يأخذ أجرة لكيس منقوب (حَجَّي1: 4-6)·
ماذا نتعلم من هذه الرسالة؟
- الرب يفحص قلوبنا ويعرف دوافعنا، فلا داعي للأعذار الواهية التي نقدّمها·
- نميل بطبيعتنا لإهمال أمور الرب وتفضيل أمورنا الذاتية عليها، وقد نتحجَّج بالظروف غير الملائمة أو الإمكانيات غير المتاحة؛ لكن لا هذا ولا ذاك وقف عائقًا أمام انجاز عمل الرب في أي وقت·
- الرب يؤدِّبنا إذا أهملنا خدمته لأنه إله غيور·
ثانيًا: رسالة التشجيع
تأثّر الشعب جدًا بكلام حَجَّي، وخافوا الرب، واطاعوا صوته، وعادوا للعمل بعد حوالي ثلاثة أسابيع· فإذ بالرب يرسل عبده برسالة تشجيع عظيمة لهم «فالآن تشدد يا زربابل، يقول الرب، وتشدّد يا يهوشع بن يهوصادق الكاهن العظيم، وتشددوا يا جميع شعب الأرض يقول الرب، واعملوا فإني معكم يقول رب الجنود» (حَجَّي2: 4)
بمجرد أن عاد الشعب للعمل، توالت تشجيعات الرب الواحدة تلو الأخرى، وقدّم لهم بواسطة النبي ثلاث حقائق هامة:
- حضوره الشخصي معهم: «أنا معكم يقول رب الجنود»· وأليس هذا كافيًا؟! ألا يذكِّرنا هذا بوعد المسيح لتلاميذه، لما كلّفهم بالإرسالية العُظمى، «وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر» (متى28: 20)·
- عهده مع شعبه وثبات مواعيده: «حسب الكلام الذي عاهدتكم به عند خروجكم من مصر» (2: 5)· رغم مرور حوالي تسعة قرون، لكن مواعيده ثابتة وكلمته صادقة· ونحن أليس لدينا في كلمته المواعيد العظمى والثمينة لنتمسك بها كل يوم وفي مواجهة كل مسؤولية؟!
- قوة روحه وكفايته: «وروحي قائم في وسطكم» (2: 5)· بالحق إنه «لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحي قال رب الجنود» (زكريا4: 6)· إن روحه الآن ساكن فينا، وهو الذي يمدنا بالعون اللازم، وقوته متاحة لنا في الخدمة «لكنكم ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهودًا» (أعمال1: 8)·
إذًا لنا شخصه، وكلمته، وروحه·
ماذا نحتاج بعد؟!
إنه يُسرّ بأن يرانا مهتمين بأموره، عاملين لمجده· ويقدِّم لنا الوعد: «فمِن هذا اليوم أبارك» (حَجَّي2: 19)·