أي نصيب أمجد وأي غبطة أعظم من تمسك الإنسان بربه وإلهه مهما كلفه الأمر، وأي شرف أسمى للتلميذ والعبد - مهما احتمل - من أن يُصبح كمعلمه وسيده، وأي مقام أرفع للمؤمن من أن يصبح شريكًا في آلام المسيح لأجل اسمه. ومن أولئك الذين حسبوا عار المسيح غنى أفضل من كل الكنوز .

وصلت التعاليم التي نادى بها يوحنا ويكليف إلى بوهيميا (تشيكوسلوفاكيا) عن طريق مؤلفاته وأصبحت موضوع اهتمام ودرس أعضاء جامعة براغ وأشهر أولئك الدكاترة كان يوحنا هس من قرية بسيطة تُدعى هاسنتز

*  مولده  ونشأته  وتعليمه
 
  ولد يوحنا هس حوالي 1369 م ومن هذا يتضح أنه كان في الخامسة عشرة من عمره حينما رقد استاذه ويكليف الذي كان يحترمه ويقدّره، وقد كان الرب في هذا الوقت يعِّد ويؤهل شاهدًا شريفًا ليحمل مصباح الشهادة ويسلمه إلى سلسلة الشهود التي لا تنقطع. ولما كان نبوغ «هس» ظاهرًا أرسله أبواه إلى جامعة براغ ليدرس اللاهوت فأظهر تفوقًا نادرًا وتقدم بسرعة في مدارج الجامعة والكنيسة وتعيّن واعظًا في كنيسة الجامعة المُسمَّاة بيت لحم وكانت هذه كنيسة كبيرة.

  * خدمته  وتعليمه 
  هذا أعطى الفرصة للواعظ الفصيح الجريء أن يُعلن كلمة الله للشعب بلغته، وكان هس يعلِّم بالخلاص بالنعمة بدون أعمال الناموس وكان يؤكد أنه لا يمكن لأحد أن يكون من ضمن كنيسة المسيح الحقيقية مهما كانت درجته أو رتبته ما لم يكن تقيًا يخاف الله، وكان يقول »»إن الإيمان الصحيح بكلمة الله هو أساس كل الفضائل«« وقد أثارت تعاليمه هذه أعداء كثيرين له من رجال الدين واعتبروه هرطوقيًا يجب محاكمته والقضاء عليه.

*  اضطهاده   ومحاكمته 
  عُقد مجمع في مدينة كنستانس عام 1414 م استمر لمدة ثلاث سنين ونصف وكان من أغراضه القضاء على التعاليم المنسوبة لويكليف وهس. ودُعى هس للحضور إلى المجمع، وقد أعطاه الامبراطور سيجسمند جواز أمان للسفر، كما تعهد له بعدم مضايقته إذا حضر المجمع. بناء على هذا التعهد من الامبراطور حضر هس إلى المجمع مؤملًا استخدام تلك الفرصة لإيضاح تعاليم الكتاب المقدس أمام هذا الجمع الحاشد، ولكن بالرغم من الوعد الامبراطوري قُبض على هس وطُرح في سجن قذر في جزيرة في وسط البحيرة ولكي يبرر المجمع هذا التصرف أصدر أمرًا بأن الكنيسة ليست مُلزمة بحفظ وعدها مع هرطوقي، وقد عرضت على هس جميع أنواع الإغراءات للرجوع عن تعاليمه من جهة الخلاص بالنعمة ومُناداته بأن ليس هناك لقب أو مركز مهما عظم يجعل الإنسان مقبولًا أمام الله بدون حياة التقوى. وفي يوم 5 يونيو سنة 1415 جئ بهس مُكبلًا بالسلاسل أمام مجمع الشيوخ وهنا قرأوا عليه سلسلة الاتهامات وعندما بدأ يبرهن من الكتاب على صحة أقواله حصلت ضجة من أعضاء المجمع وغرق صوته في موجة الاحتقار والإزدراء. وأوقف مرة ثالثة أمام المجمع في اليوم التالي وعرض عليه إما التراجع بدون قيد أو شرط عن كل تعاليمه، وإما الموت حرقًا، وبكل تواضع وبشجاعة عظيمة أعلن بثبات أنه مستعد عن التراجع عن أي شيء قاله يتضح له من الكتاب أنه كان مخطئًا فيه ولكنه لن يسحب شيئًا يراه واضحًا في كلمة الله. ولكنه أُجيب بتصلف وكبرياء : إن مهمة المجمع هي الحكم وليس المناقشة. 

*  إعدام  هس  

  وهكذا قام المجمع بتحريم جون هس ثم أمر بإحراقه. وقبل حرقه بأسبوعين كتب هس « إنني أجد تعزية كبيرة في قول المسيح طوباكم إذا أبغضكم الناس؛ يالها من تحية طيبة، بل هي أطيب تحية وإن تكن صعبة... أيها المسيح الأقدس : اجذبني وراءك أنا الضعيف لأنه إن لم تجذبنا لن نقدر أن نتبعك ... قوِّ روحي لتكن راغبة ، وإن كان الجسد ضعيفًا فلتعضدنا نعمتك» . ولما جاء وقت التنفيذ وبعد أن رُبط هس إلى العمود ووضعت الأخشاب حوله سأله القائد أما يريد الآن أن يتراجع ويخلص حياته فأجاب «إن كل ما كتبته وعلَّمت به كان الغرض منه تخليص النفوس من سلطان الشيطان وانقاذهم من جبروت الخطية، والآن بكل فرح أختم بدمي على ما كتبته وعلَّمت به» عندئذ اشتعلت النيران وبقي «هس» ثابتًا يتحمل الآلام بيقين لا يتزعزع، ولكن آلامه كانت قصيرة فقد تصاعدت سحابة من الدخان وخنقت هس قبل أن تصل إليه النيران وتشويه.  وبنغماته الأخيرة الضعيفة الخافتة سمعه المتفرجون ينشد بتسبيح للرب يسوع الذي مات لكي يخلصه.