كان ”لوقا فارم“ يشعر بصغر النفس لأن غالبية رفقائة تجنَّدوا للدفاع عن الوطن في أثناء حرب الأستقلال الأمريكية الشهيرة، وأما هو فلم يستطع المشاركة في الحرب؛ نظرًا لكونه أعرج وغير لائق طبّيًا للتجنيد. وفي يوم الاستقلال الشهير، في الرابع من يوليو، جلس لوقا في محل الحدادة، حيث يعمل مساعد حداد؛ جلس يندب حظّه، ويرثي لحاله وعرجه. وفجأة قطع صمته وتفكيره مجموعة من جنود الخيَّالة، سألوه عن صاحب المحل. فقال لهم لوقا فارم إنه غائب في ذلك اليوم. فسألوه: هل يمكنك أن تصنع حدوة حصان في قدم أحد الخيول؟ فأجاب: نعم، فكثيرًا ما ساعدت مُعلّمي، صاحب المحل، في صنع الحدوات. وبالفعل صنع حدوة ممتازة للفرس. وبعدما ركب القائد حصانه ذو الحدوة الجديدة الجيدة، قال للوقا وهو ينصرف: يا ابني أنت قدّمت الآن خدمة لبلدك أعظم من عشرة جنود. وعرف وقتها لوقا أن محدِّثه هو الكولونيل الشهير ”وانر“ الذي انتصر في موقعة بننجتون التاريخية في حرب الاستقلال.
يحتفل الأمريكيون كل عام بعيد الأستقلال في يوم 4 يوليو، وإذ يذكرون الكولونيل وانر، لن ينسوا أبدًا لوقا فارم الذي لولاه، ولولا حدوة الحصان التي صنعها، لكانت المعركة ستضيع حتمًا.
صديقي القارئ العزيز, قارئتي العزيزة.. هل يساورك شعور لوقا فارم بصغر النفس، وأنَّك لن تستطيع أن تقدِّم شيئًا للقائد العظيم الرب يسوع المسيح الذي مات لأجلك؟ تذكَّر أن الرب لا ينظر لكمية ولا نوعية ما يُقدَّم، بقدر ما ينظر للأمانة والدوافع النقية للتقديم .. «وَجَلَسَ يَسُوعُ تُجَاهَ الْخِزَانَةِ وَنَظَرَ كَيْفَ يُلْقِي الْجَمْعُ نُحَاسًا فِي الْخِزَانَةِ. وَكَانَ أَغْنِيَاءُ كَثِيرُونَ يُلْقُونَ كَثِيرًا. فَجَاءَتْ أَرْمَلَةٌ فَقِيرَةٌ وَأَلْقَتْ فَلْسَيْنِ، قِيمَتُهُمَا رُبْعٌ. فَدَعَا تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ لَهُمُ: ”ﭐلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هَذِهِ الأَرْمَلَةَ الْفَقِيرَةَ قَدْ أَلْقَتْ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ أَلْقَوْا فِي الْخِزَانَةِ، لأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوْا. وَأَمَّا هَذِهِ فَمِنْ إِعْوَازِهَا أَلْقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا كُلَّ مَعِيشَتِهَا“» (مرقس12: 41-44).
إن لوقا فارم، وتلك الأَرْمَلَةَ الْفَقِيرَةَ، يذكرانني بعازف الفلوت الذي شعر في يوم من الأيام بعدم أهميته، وبأن صوت الفلوت الرقيق المنخفض لن يظهر في وجود الآلات النحاسية والوترية، وآلات النفخ العملاقة والإيقاع. فوضع فمه على الفلوت دون أن ينفخ أو يعزف. وفجأة جاء صوت المايسترو: ”Stop“ أين صوت الفلوت!! استعجب عازف الفلوت من أن المايسترو لاحظ اختفاء صوت الفلوت. وعندها قال المايسترو: لا تستهينوا بأيّ آلة، فلن تكتمل السيمفونية إلا باشتراك جميع الآلات معًا, والآلات التي تبدو صغيرة لا تقل أهمية أبدًا عن الآلات ذات الصوت العالي.
صديقي القارئ العزيز, قارئتي العزيزة.. ما أخطر صِغر النفس فقديمًا «كَلَّمَ مُوسَى هَكَذَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَكِنْ لَمْ يَسْمَعُوا لِمُوسَى مِنْ صِغَرِ النَّفْسِ وَمِنَ الْعُبُودِيَّةِ الْقَاسِيَةِ» (خروج6: 9).
أدعوك أن تأتي للمسيح، كما أنت، سيغيِّرك، ويستخدم إمكانياتك كيفما كانت. لقد استخدم الرب جدعون قديمًا، وكان يُهرّب حنطة، ويشعر بصغر النفس، كلوقا فارم وعازف الفلوت. وهذه بعض صفاته (اقرأ قضاة 6):
-
تَحْتَ الْبُطْمَةِ: والبطمة رمز الرجاء وعدم اليأس «وَلَكِنْ كَالْبُطْمَةِ والْبَلُّوطَةِ الَّتِي وَإِنْ قُطِعَتْ فَلَهَا سَاقٌ يَكُونُ سَاقُهُ زَرْعًا مُقَدَّسًا» (إشعياء6: 11-13).
-
في عَفْرَةَ: أي غبار، وتعني أيضًا غزالة صغيرة, قال أيوب: «لِذَلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ» (أيوب42: 6) «كَمَا يَشْتَاقُ الإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ الْمِيَاهِ هَكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا الله» (مزمور42: 1-3).
-
لِيُوآشَ: ومعناه ”الرب منح“ والرب يسوع، الله الذي ظهر في الجسد هو أروع عطية «لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا» (2كورنثوس9: 15).
-
الأَبِيعَزَرِيِّ: ”أبي معونة“, «فَقَالَ لِي: تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضُّعْفِ تُكْمَلُ. فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ» (2كورنثوس12: 9).
-
جِدْعُونُ: ”قاطع“ أو ”حاطب“. والخادم يجب أن يكون جاد وحازم: «رَجُلٌ ذُو رَأْيَيْنِ هُوَ مُتَقَلْقِلٌ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ» (يعقوب1: 8).
-
يَخْبِطُ حِنْطَةً: الحنطة رمز للمسيح (يوحنا12: 24) و«مَا لِلتِّبْنِ مَعَ الْحِنْطَةِ يَقُولُ الرَّبُّ؟» (إرميا23: 28، 29).
-
فِي الْمِعْصَرَةِ: المعصرة رمز للصليب. والخدمة لابد وأن تنطلق من عند الصليب (1كورنثوس1: 18).
-
لِيُهَرِّبَهَا مِنَ الْمِدْيَانِيِّينَ: إن لم نستطع أن نقدِّم حنطة لشعب الله في الجوع الروحي، فعلى الأقل يمكننا أن نُهرّب لهم حنطة: «مُحْتَكِرُ الْحِنْطَةِ يَلْعَنُهُ الشَّعْبُ وَالْبَرَكَةُ عَلَى رَأْسِ الْبَائِعِ» (أمثال11: 26).
-
الرَّبُّ مَعَكَ: وجود الرب معنا أعظم مُشجّع لنا في الإرسالية: «فاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ، وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ والاِبْنِ والرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ» (متى28: 18-20).
-
يَا جَبَّارَ الْبَأْسِ: فبعين الله المُحِبَّه يرى المؤمن، ولو كان ضعيفًا، جبار بأس.
-
إذا كَانَ الرَّبُّ مَعَنَا: كان كلام ملاك الرب مع جدعون بالمفرد – الرب معك – لكنه كان يفكر في الشعب، فأجاب بصيغة الجمع، ككل رجال الله الأفاضل (عزرا 9 ونحميا9 ودانيآل9).
-
وَأَيْنَ كُلُّ عَجَائِبِهِ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا آبَاؤُنَا قَائِلِينَ: أَلَمْ يُصْعِدْنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ؟: «الإِلهُ القَدِيمُ مَلجَأٌ والأَذْرُعُ الأَبَدِيَّةُ مِنْ تَحْتُ. فَطَرَدَ مِنْ قُدَّامِكَ العَدُوَّ وَقَال: أَهْلِكْ» (تثنية33: 26-29).
هل ترمي كل إحساس بصغر نفس، وتأتي للرب يسوع الآن، مقدِّمًا له كل ما عندك، ليستخدمك؟
صلاة: ربي يسوع إلهي الوديع .. أشعر أني صغير ولا أستطيع .. فاقبلني بحبك البديع.. واستخدمني في كرمك الوسيع.. حتى أشهد لك ولإنجيلك أذيع.. أمين.