مسكين الشعب المصري! إلى من يذهب؟ وإلى أين يهرب؟ فالفشل الكلوي، والالتهاب الكبدي، والأورام الخبيثة، تطحنه ببطء من الداخل؛ وحوادث العبّارات وكوارث القطارات تسحقه بشدة من الخارج· ناهيك عن وحش اسمه البطالة، ووحش آخر أكثر شراسة اسمه ارتفاع الأسعار، ووحوش أخرى كثيرة·· وأنا، كأيّ مصري، صدمني نبأ حادث القليوبية، وتمزَّق قلبي وأنا أشاهد صور الجثث والأطراف الآدمية، وصرخات الأقارب - وغير الأقارب - المريرة الهستيرية· وكان من الطبيعي، وفي محضر الله، وفي نور كلمته، أن استعيد هدوئي، متأمّلاً خاشعًا، مستخرجًا من الأحداث دروسًا وعِبَر· ودعني أشاركك ببعض الأفكار السريعة:
فتحة علوية بسقف القطار
مصابان شقيقان يرقدان بالمستشفى، لم يصدِّقا، من هول الصدمة، أنهما يتنفسان الحياة مرة أخرى· لقد خرجا أحياء من بين عشرات الجثث والأشلاء التي التحمت بأجسادهما، ورائحة الموت التي ملأت أنوفهما، يقولان: كنا في رحلتنا اليومية إلى عملنا بقطار بنها، ومن المفارقات أن زميل لنا كان يجلس في المقعد المواجه لنا، أخذ يلحّ علينا أن نجلس إلى جواره، لكننا رفضنا· وعندما وقعت الكارثة، طار المقعد الذي كان يجلس عليه، ولقى حتفه في الحال، وتلطّخت وجوهنا بأنهار من الدماء، وتناثرت علينا الأ شلاء، وانحشرنا بين الحديد، وتحاملنا على بعضنا البعض، وخرجنا من قطار الموت من فتحة علوية بسقف القطار، غير مصدقين بنجاتنا ·
عزيزي القارئ أليس لنا نحن أيضًا بابًا علويًا للنجاة، قال عنه الصادق الذي لا يكذب «أنا هو الباب· إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى» (يوحنا10: 9)· إن المسيح هو باب النجاة الوحيد، فهل دخلت منه؟!
بين مفترق طرق
احتار سائق القطار: فعامل السيمافور أعطى القطار إشارة بالتحرّك، ثم فوجئ بسيمافور آخر يعطي إشارة حمراء للتوقف· أدرك السائق أن هناك شيء خطأ، فنزل من القطار وأجرى إتصالات أخرى·
والسؤال هو: من الذي يقود إلى الطريق الآمن والصحيح؟ ومن يستطيع أن يصفه؟ والإجابة السديدة الأكيدة لكل متحير هي جواب المسيح «أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي» (يوحنا14: 6)· فهل وجدت الطريق؟ أم لعلك تبحث عن آخر؟!
النفس البشرية كم تساوى؟
من المفارقات أن تصرف 5 آلاف جنيه لأسرة المتوفي كتعويض في حادث القطار، بينما في حادث العّبارة كانت التعويضات مئات الآلاف من الجنيهات·
أما الثمن الحقيقي للنفس فهو غالٍ جدًا، وثمين للغاية في نظر الرب الذي قال: «لذّاتي مع بني آدم» (أمثال8: 31)· ويقول الرسول بولس للكورنثيين «لأنكم قد اشتُريتُم بثمن» (1كورنثوس6: 20)· ويقول الرسول بطرس عن هذا الثمن «عالمين أنكم افتُديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب··· بل بدم كريم (أي ثمين) كما من حمل بلا عيب ولا دنس: دم المسيح» (1بطرس1: 18-19)· صديقي المؤمن، هل تتذكر دائمًا الثمن الغالي الذي دُفع فيك، فتمجِّد الله في حياتك؟!
استيقظ على كابوس الكارثة
قال أحد الركاب، يعاني من كسور في الساق والذراع وجروح بالرأس: إنني لم أشاهد فصول تلك المأساة المروعة، فقد كنتُ نائمًا، ولم استيقظ حتى حدث الاصطدام البشع الذي أطاح بالعربة الأخيرة التي كنت بداخلها، فأُصبت بحالة من الفزع، وأدركت أن الموت يحيط بنا من كل جانب، إلى أن أنقذني أحدهم·
وكم من البشر نائمون، وفي شهواتهم وشرورهم غارقون· وواجب علينا أن نذهب إليهم ونوقظهــم، لـعلـهم يستفيقون!! «انقذ المنقادين إلى الموت والممدودين للقتل· لا تمتنع» (أمثال24: 11)
حتى الموت
من الصور المؤثِّرة: صورة جثَّة مشوَّهة، مقطوعة القدمين، إلا أن صاحبها كان ممسكًا بحقيبة في يده ومحتضنها· وتبين أن صاحبها موظف حكومي، والحقيبة لا تحتوي على أوراق مالية، بل مجرّد أوراق تخصّ عمله، وقد حافظ عليها بحياته·
ليتنا نكون أمناء على ما أعطاه لنا الرب الذي قال «كن أمينًا الى الموت، فسأعطيك إكليل الحياة» (رؤيا2: 10)·
صورة مؤثِّرة آخيرة
إنها لأبٍ وقد لطَّخت دمائه كرّاسات ابنائه· لقد قام هذا الآب البار بشراء كراسات جديدة بيضاء لأبنائه الصغار، بمناسبة العام الدراسي الجديد، وبدلاً من أن يكتب الصغير بحبره، كتب الآب بدم قلبه·
هل رأيت الصليب مُلطَّخًا بالدماء
يسيل منه العرق والألم دون بكاء
هناك دفعتُ ما عليك كاملاً
كان حكمُ الموتِ هو الثمن
فهل تُقبل إليَّ؟ لاتضل الطريق ··
أنا هو الطريق
«وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه، وبحبره شُفينا» (إشعياء53: 5)·