هل أنت شاطر في الحساب؟ إن التاجر الناجح يحسب جيدًا مقدار المكسب والخسارة، والروح القدس يعلمنا أن نحسب حسابًا صحيحًا· وقد كان موسى ناجحًا في الحساب، فحسب عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر، فترك قصر فرعون وابنة فرعون، وملذات العالم والتمتع الوقتي بالخطية، وارتبط بشعب الله المذلول في مصر، لأنه كان ينظر إلى المجازاة· وكذلك الرسول بولس كان ذكيًا في الحساب، فحسب كل ربح قد حصل عليه في اليهودية خسارة من أجل المسيح، وحسب كل شيء أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع الرب، ولم يكن حزينًا على ما فقده بل حسبه نفاية ولا قيمة له· وهذا هو الحساب الصحيح·
وفي رسالة فيلبي يكلِّمنا عن حساب آخر مُهِم وهو «حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم» (فيلبي2: 3)· وهذا التحريض موجَّه فقط للمؤمنين الذين قد اغتسلوا بدم المسيح وصاروا خليقة جديدة، لأن الخاطئ لا يستطيع أن يفعل ذلك لأنه مُستعبَد للخطية، والطبيعة الفاسدة الغير محكوم عليها تدفعه للعُجْب والتعالي على الآخرين والافتخار بقدراته أو بغناه أو بعائلته أو بتعليمه أو··· لكن المؤمن الحقيقي يستطيع أن يحسب أخاه أفضل ومن نفسه وذلك بقوة الروح القدس الساكن فيه·
يجب أن يكون لكل مؤمن تقدير عظيم عند الآخر، فليس فقط أن لا نحتقر بعضنا البعض، بل بالعكس أحسب أخي أفضل مني وأفضل من نفسه· وهذا الأمر ليس بالسهل على طبيعتنا الفاسدة، ولكن لكي يتحقق ذلك فلا بد من الاتضاع وإنكار ذواتنا، ولكي نتضع علينا أن نتأمل باستمرار في المثال الكامل لنا - ربنا يسوع المسيح - الذي اتضع الاتضاع الحقيقي، ذاك «الذي إذ كان في صورة الله لم يَحسب خُلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس، وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه» (فيلبي2: 6-8)· وهذا هو الفكر الذي كان في المسيح يسوع والذي ينبغي أن يكون فينا أيضًا·
إن اتضاع الفكر يؤدّي إلى اتساع الفكر، لأنه إذا كنت متمركزًا على نفسي فمن الطبيعي أن أفكِّر في ما هو لنفسي ومصالحي ومجدي، ولكن عندما اتضع فسأفكِّر في الآخرين وأهتم بهم· ليحفظنا الرب من الكبرياء، لأن الكبرياء تقودنا أن نرى أنفسنا أفضل من غيرنا، فالمؤمن الجسدي يرى نفسه أفضل من إخوته، والخادم الجسدي يرى نفسه أفضل من شركائه في الخدمة، والمتكلم الجسدي يرى أن كلامه أقوى وأحلى من غيره من المتكلمين وينتقدهم·
ولكي نحسب إخوتنا أفضل منا يجب أن نتجاهل أنفسنا وخِصَالنا الحسنة، ونتطلع إلى ما في الآخرين من أمور حسنة ومبارَكة· وفي حضرة الرب نكتشف عيوبنا وضعفاتنا ونقائصنا، ومن جانب آخر أنظر إلى أخي في المسيح؛ فأجده كاملاً وبلا عيب، أراه حجرًا كريمًا وعضوًا في جسد المسيح، وأن جسده هو هيكل للروح القدس؛ وبهذا سيكون من السهل أن أحسب أخي أفضل مني كثيرًا·
مع ملاحظة أن التحريض المقدَّم هنا، يفترض أنه موجَّه إلى قديسين يعيشون في حالة أدبية صحيحة، لأن إلهنا القدوس يريد أن نعيش حياة القداسة العملية والانفصال عن الشر· لذلك لنكن صارمين مع نفوسنا من جهة أخطائنا وتقصيراتنا· أما بالنسبة لإخوتنا فيجب أن نقدِّر الجوانب الحسنة الموجودة فيهم· فنسرع في الحكم على أنفسنا ونتباطأ في الحُكم على غيرنا·
والتحريض «حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم» لا يعني فقط أن أحسب أخي أفضل مني؛ بل أحسبه أفضل من نفسه، أي من نظرته هو لنفسه· ولكي نفهم معنى ذلك نأتي إلى ما فعله ربنا يسوع المسيح مع يوحنا المعمدان: فعندما أرسل إليه المعمدان في لحظات الضعف والشك قائلاً له: «أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟»، فكانت إجابة الرب له أنه صنع الكثير من المعجزات وقال للمرسلين: «اذهبا وأخبرا يوحنا بما تسمعان وتنظران· العُمي يبصرون والعرج يمشون والبُرص يطهرون والصُم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يُبَشرون، وطوبى لمن لا يعثر فيَّ»· وفي هذا أعلن الرب يسوع للمعمدان عن قدرته وسلطانه ولاهوته، ولكن ما أروع قلب ومشاعر المسيح - له المجد - تجاه المعمدان، فبعد أن ذهب المرسلان، شهد الرب عن المعمدان قائلاً: أنه ليس فقط نبيًا بل «أفضل من نبي» وأيضًا «أنه لم يقُم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان» (متى11: 2-11)· فلقد كانت نظرة الرب يسوع ليوحنا المعمدان عظيمة جدًا، وهي بالتأكيد كانت أفضل من نظرة المعمدان لنفسه· وهذا ما يجب أن نفعله·
أخي ·· أختي ·· ليكن تقديرنا لإخوتنا عظيمًا جدًا حاسبينهم أفضل من أنفسنا ومن أنفسهم·