ناظرين إلى يسوع

 

بدأنا في العدد الماضي في الحديث عن المرحلة الثانية من حياة الرب يسوع - له المجد - على الأرض، والتي فيها انطلق في حياته وخدمته الجهارية لتنفيذ الخطة التي جاء من أجلها.  وتكلمنا عن حادثتين هامتين، ونواصل حديثنا الآن عن:

التجربة على الجبل

عندما خلق الله الإنسان الأول، وضعه في جنة عظيمة بها كل ما هو شهي للنظر وجيد للأكل، وسلّطه على جميع أعمال يديه.  ولكن بعد ذلك بقليل، جاء الشيطان، إبليس المخادع والعدو، ليحرم الإنسان من كل هذا التمتع عن طريق إيقاعه في التعدي على وصية الله.  وللأسف فشل الإنسان، وسقط، وصار عبدًا للخطية ولإبليس.  وبنفس الطريقة، عندما جاء الإنسان الثاني آدم الأخير الرب من السماء حاول إبليس، بتجارب متنوعة، أن يوقعه في الخطإ، هادفًا لإفساد خطة الله في مجيئه إلى الأرض.  وهذا ما يفعله حتى الآن مع جميع أولاد الله، ولا سيما الذين اختارهم لخدمته.  دعونا نتأمل في تفاصيل هذه التجارب لنتعرَّف كيف انتصر عليها سيدنا العظيم.

أولاً: طرق إبليس في التجربة:

يستخدم إبليس طرقًا مختلفة في محاولة الإيقاع بنا في الخطإ والتعدي على الله، منها:

1- استغلال ضعفنا أمام احتياجاتنا الطبيعية

نقرأ القول «فبعد ما صام أربعين نهارًا وأربعين ليلة، جاع أخيرًا.  فتقدَّم إليه المُجرِّب» (متى 4: 2، 3).  لقد جاء له المجرِّب عندما وصل الرب يسوع كإنسان إلى حالة الضعف الجسدي الشديد، محاولاً إيقاعه في استغلال قدراته الشخصية لإشباع احتياجاته الطبيعية، بِغَضِّ النظر عن طاعته لله والسلوك بحسب مشيئته.  وهذا ما يفعله معنا في الوقت الحاضر، وهو ما فعله مع الإنسان الأول عندما أوقعه في فخ «شهوة الجسد».

2- بريق الأمجاد العالمية

نقرأ القول «لك أُعطي هذا السلطان كله ومجدهنَّ» (لوقا 4: 6).  وهنا يحاول تعظيم أمجاد العالم وبريقه أمام الإنسان، فيحرفه تدريجيًا عن طاعته لله والخضوع لسيادته الكاملة في حياته، وبهذا يدخل إلى حياته، ويضعه تحت سيادته وسيطرته.

3- الحصول على مجد ذاتي عن طريق الأمور الدينية

نقرأ القول «إن كنت ابن الله، فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل؛ لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك وأنهم على أيديهم يحملونك» (لوقا 4: 9-11).  كثيرًا ما يعمل الله أمورًا معجزية في حياة الكثيرين، أو يستخدمهم بصورة خاصة لتتميم مقصدًا معيَّنًا، وهنا يحاول إبليس إيقاعهم في تعظيم أنفسهم، والحصول على مجد ذاتي أمام الآخرين، والانخداع في القدرات الذاتية.  وهكذا يبدأ الانحراف عن الخضوع لسيادة الله في الحياة وقيادته الكاملة، وهذا ما حدث في الجنة أيضًا عندما قال للإنسان «تنفتح أعينكما وتكونان كالله».

4- الاستخدام الخاطئ لكلمة الله

نقرأ قول إبليس «لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك وأنهم على أيديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك» (لوقا 4: 10، 11).  لقد حذف من اقتباسه عبارة «في كل طرقك» (مزمور 91: 11)، والتي تفيد أن العناية الإلهية هي في طرق الحياة الطبيعية اليومية، وليست لتصرفات استعراضية.  وهذا ما يفعله حتى الآن مستخدِمًا الكتاب المقدّس بطريقة ملتوية، سواء بالحذف، أو الإضافة، أو التحريف؛ لتغيير المعنى أو القصد، وهذا أساس معظم الضلالات التي دخلت المسيحية منذ البداية.  وبحق قال الرب يسوع «لهذا تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله» (مرقس 12: 24).

5- التشكيك في كلمة الله وصلاحه

بدأ إبليس تجربته بالقول «إن كنت ابن الله فقُل لهذا الحجر أن يصير خبزًا»، ثم كرر القول «إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل».  لقد أعلنت السماء سابقًا، وبكل وضوح، بعد معمودية الرب يسوع «هذا هو ابني الحبيب»؛ لكن إبليس يحاول - من جهة - التشكيك في صدق أقوال الله، ومن الجهة الأخرى التشكيك في صلاح الله واهتمامه بالرب يسوع كإنسان على الأرض، سواء في تسديد الاحتياج الطبيعي للطعام، أو حفظه إذا طرح نفسه من فوق جناح الهيكل.  وهذا ما يفعله حتى الآن لزعزعة ثقتنا في كلمة الله ومواعيده لنا.  أ لم يكن هذا هو ما بدأ به تجربته للإنسان الأول في الجنة قديمًا بقوله «أ حقًا قال الله؟»؟!

ثانيًا: كيفية الانتصار على تجارب إبليس:

إن كان إبليس لا يهدأ للإيقاع بنا مُستخدِمًا حيلاً كثيرة، كالحية الماكرة، لكن لنا الوعد بالنصرة الكاملة عليه إن كنا نتبع خطوات سيدنا الكريم كإنسان كامل عاش في أرضنا:

1- التمسك بالمكتوب

يتكرر القول «مكتوب» في كافة ردود الرب يسوع على إبليس.  لقد كانت كلمة الله مكانتها الكبيرة في حياته كإنسان على الأرض وتم فيه القول «وشريعتك في وسط أحشائي» (مزمور 40: 8).

2- الطاعة الكاملة لله

لقد عاش - له المجد - كإنسان، حياة الطاعة الكاملة لأبيه، مهما كانت الظروف.  وكان شعاره «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني» (يوحنا 4: 34).  وهكذا تطابقت إرادته مع إرادة أبيه تمامًا، فلم يجِد إبليس ثغرة واحدة ليدخل منها.

3- الامتلاء بالروح القدس

يُذكر عن سيدنا الكريم «أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئًا من الروح القدس» (لوقا 4: 1).  وهكذا كإنسان كامل، كان يُقاد بالروح القدس في كل شيء.  أليس هذا ما نحتاج نحن إليه كمؤمنين حتى نُحفظ من التشويش ومن خداع إبليس الماكر؟!  وهذا ما نقرأه في غلاطية 5: 16 «اسلكوا بالروح فلا تكمِّلوا شهوة الجسد».

هذا سيدنا الكريم أيام جسده على الأرض فماذا عني وعنك؟  دعونا ننظر إليه ونتعلم منه عمليًا حتى نختبر حياة النصرة الحقيقية والانطلاقة الصحيحة في حياتنا متمّمين نصيحته الغالية «تعلّموا مني.. فتجدوا راحة لنفوسكم».