إن حياتنا الروحية إمّا أن تسير بقوة دافعة متجدِّدة، أو تسير بقوة الاندفاع. والقوة الدافعة ستأتي من الصلاة، أما قوة الاندفاع فهي نتيجة التأثر بالآخرين أو الحماس الذي نأخذه بعد النهضات والفرص الانتعاشية؛ وهذا لا يستمر طويلاً، ولا بد أن يتوقف بعد حين.
وإن كانت الصلاة ضرورة حتمية في حياة كل مؤمن، فبالأولى تكون كذلك في حياة كل مَنْ يريد أن يخدم الرب خدمة حقيقية ناجحة.
إن الصلاة هي الضعف البشري مستندًا على قوة الله القدير ومتعلّقًا بها. وهي التعبير عن حياة الاتكال وعدم الاستقلال، أو الاستغناء، عن الرب. إنها حالة قلب، وليست مُجرّد كلمات نتلوها. وهي الشعور بالاحتياج والحنين إلى الله، والثقة فيه باعتباره الآب المحب والقدير. إنها المكان والمدرسة التي نتدرَّب فيها على سماع صوت الرب ومعرفة مشيئته، كما نتدرَّب على فحص النفس وإدانة كل ما يصدر من الجسد، سواء في السلوك أو الخدمة. ونحن نميل، بطبيعتنا، إلى النشاط الظاهر أكثر من الوجود المستتر أمام الرب وسكب القلب في محضره. ونميل أن نتكلم مع بعضنا أكثر من أن نتكلم معه. والجسد سريعًا ما يملّ من الصلاة؛ ولهذا قال الرب يسوع: «ينبغي أن يُصلَّى في كل حين ولا يُمَل» (لوقا 18: 1). وفي مَثَل صديق نصف الليل (لوقا 11: 5-8) نرى أن الشعور بالحاجة المُلِحَّة يقود إلى الطلب بلجاجة. وهذا ينبغي أن يكون شعور الخادم وهو تحت المسؤولية، لكي يلجأ إلى الرب، ليأخذ منه ما يقدِّمه للآخرين.
إن الخادم ليس مَخزنًا للقوة والبركة الروحية. لكنه يستمدّها من الرب يوميًا بالصلاة، لكي يستخدمه استخدامًا ناجحًا، ويكون مؤثِّرًا في النفوس. وبدون ذلك سيصبح نحاسًا يطن أوصنجًا يرن، مهما كانت مواهبه وشخصيته ومعلوماته.
والخادم يحتاج أن يُصلِّي لكي يعطيه الرب أن يكون مقبولاً من الآخرين في شخصه، وأن تكون خدمته مقبولة، حتى أبسط الخدمات، مع أطفال مدارس الأحد. وأن يفتح الرب له بابًا للكلام مع النفوس (في العمل الفردي). ويعطيه كلامًا عند افتتاح فمه، وأسلوبًا مناسبًا. وأن يكون مؤيَّدًا بقوة الروح القدس حتى يصل الكلام إلى الضمائر ويبكِّت النفوس. ولكي يُربَح الخطاة ويُبنى المؤمنون. ولكي يُحفظ الخادم من الأشخاص الأردياء ومقاومتهم، ومن تجارب إبليس وما يمكن أن يعطِّل الخدمة، أو يُسبِّب لومًا عليها أو يُعْثِر الآخرين. إن كل هذا لن يحدث بتلقائية على الإطلاق، لكنه يحتاج إلى صراخ وتضرّع الخادم قبل الخدمة وبعدها.
وهناك فارق بين شخص يصلِّي عند الضرورة فقط، وآخر طابع حياته هو الصلاة. وبين مؤمن أقصى أمانيه أن يعبر يومه بدون مشاكل ودون أن يرتكب خطايا مشينة، وبين مؤمن آخر يريد أن يتصوَّر المسيح فيه وأن يسلك ويخدم كما كان سيده. ولا شك أن الأخير يحتاج أن يصلِّي أكثر جدًا.
إن الرب يسوع كان هو أعظم خادم ظهر على الأرض، وقد عاش حياة الصلاة كإنسان كامل على الأرض. لقد بدأ خدمته العلنية بالصلاة. ففي المعمودية إذ كان يصلي فُتحت له السماء، ونزل الروح القدس عليه مثل حمامة. وبعدها واجه إبليس في التجربة وانتصر عليه. ثم انطلق في خدمته بنجاح فريد. ونحن هل نريد سماءً مفتوحة بالبركة لنا؟ هل نريد تأييدًا بقوة الروح القدس؟ هل نريد انتصارًا على تجارب الشيطان؟ هل نريد نجاحًا في الخدمة؟ لا سبيل لذلك سوى الصلاة.
وقبل أن يختار الرُسل، ذهب الرب يسوع إلى الجبل، وقضى الليل كله في الصلاة. فقد كان يقدِّر المسؤولية ويُعطي الوقت الكافي لها في الصلاة. هل نندهش إذا ظهر الفشل في حياتنا وخدمتنا؟ أليس بسبب قِلّة صلواتنا واندفاعنا وسرعة قراراتنا؟!
كان للخلوة مكان بارز في حياة الرب يسوع، ورغم أنه لم يكن لديه وقت للأكل أو النوم أحيانًا كثيرة؛ لكنه كان لديه وقت للصلاة! والخدمة، بكل متطلّباتها، لم تعطِّله عن خلوته مع أبيه، بل كانت تستمِد قوتها من هذه الخلوة.
كذلك بولس، كخادم، كان يصلِّي لأجل جميع الكنائس، أفرادًا وعائلات، بظروفهم واحتياجاتهم تفصيليًا. فهل نفعل ذلك نحن لأجل الدائرة الصغيرة التي نخدم فيها، وليكن فصل في مدارس الأحد، على سبيل المثال؟ يجب أن نتحرَّر من الأنانية والمشغولية بذواتنا، لنفكِّر في الآخرين ونتشفَّع لأجلهم. بهذا نكون ناجحين في خدمتنا، والرب يصادق عليها ويباركنا.