رجع الرب يسوع، بعد اعتزاله في البرية لمدة أربعين يومًا، إلى مدينة الناصرة، ومنها انطلق لبقية المدن بقوة الروح القدس ليتمِّم الإرسالية العُظمى التي من أجلها أتى إلى الأرض.
ومن المفيد والهام جدًا أن نتأمل في حياته، كالإنسان الكامل الذي عاش حياة فريدة، تاركًا لنا مثالاً لكي نتبع خطواته.
وعندما نتأمل في حياة السيد العظيم - كما ذُكرت في الأناجيل الأربعة - يلفت نظرنا بعض العادات التي تميّزت بها حياته - له كل المجد - وهي:
1- الصلاة: «وخرج ومضى كالعادة إلى جبل الزيتون... وجثا على ركبتيه وصلى» (لوقا22: 39-41).
2- حضور المجمع: «وجاء إلى الناصرة حيث كان قد تربى ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت» (لوقا4: 16).
3- التعليم: «اجتمع إليه جموع أيضًا وكعادته كان أيضًا يعلِّمهم» (مرقس10: 1).
دعونا الآن نتأمل في النقطة الأولى التي اتسمت بها حياة السيد وهي الصلاة.
أولاً: متى نُصلي؟
يتساءل الكثيرون: متى نصلي؟ وهل هناك ساعات محدَّدة للصلاة؟ نتعلم من سيدنا العظيم أن الصلاة هي حديث القلب مع الله الموجود لنا ومعنا كل وقت، وبابه مفتوح لنا كل اليوم نهارًا وليلاً. وبحقٍّ علَّمنا قائلاً: «ينبغي أن يُصلّى كل حين ولا يُمَل» (لوقا18: 1). لذلك نقرأ عنه - له المجد - أنه كان يصلي في:
أ- الصباح الباكر: «وفي الصبح باكرًا جدًا قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلي هناك» (مرقس1: 35).
ب- أثناء النهار: «وأما هو فكان يعتزل في البراري ويصلي» (لوقا5: 16).
ج- أثناء الليل: «وقضى الليل كله في الصلاة لله» (لوقا6: 12).
ثانيًا: أين نُصلي؟
حيث أن إلهنا موجود في كل مكان، فهو بحقّ رب السماء والأرض، ولا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيادي، لذا نستطيع أن نأتي إليه في أي مكان نوجد فيه.. منفردين داخل بيوتنا.. أو معًا كمجموعة مؤمنيين نجتمع تحت رياسته.. أو أينما كنّا. وهذا ما نراه في حياة سيدنا؛ كان يصلي في:
أ- موضع خلاء: «مضى إلى موضع خلاء وكان يصلي هناك» (مرقس1: 35).
ب- الجبل: «مضى إلى الجبل ليصلي» (مرقس6: 46).
ج- البراري: «كان يعتزل في البراري ويصلي» (لوقا5: 16).
ثالثًا: كيف نُصلي؟
حيث أن الصلاة هي الحديث الخاص بين الإنسان والله، لذا فالمهم وضع القلب والكيان الداخلي وقت الصلاة. أما الوضع الخارجي فيرتبط بحالة المُصلّي وأسلوب تعبيره عن احترامه وتقديره عندما يخاطب إلهه. لذلك يذكر عن الرب:
أ- «جثا على ركبتيه وصلّى» (لوقا22: 41).
ب- «رفع عينيه نحو السماء وقال أيها الآب» (يوحنا17: 1).
رابعًا: لماذا نُصلي؟
لقد أساء الكثيرين فهم سبب الصلاة. فالبعض يعتبرونها فرضًا واجبًا لنوال رضا الله عليهم، والبعض الآخر جعلها شكلاً من أشكال العبادة الطقسية، لكن دعونا نتأمل في بعض دوافع الصلاة كما ظهرت في مثالنا الأعظم:
أ- الخلوة الشخصية مع الله: «وأما هو فكان يعتزل في البراري ويصلي» (لوقا5: 16).
ب- قيادة الله في الخدمة: «وإذ كان يصلي انفتحت السماء ونزل عليه الروح القدس... وكان يُقتاد بالروح» (لوقا3: 21-4: 1).
ج- اتخاذ قرارات هامة: «وفي تلك الأيام خرج إلى الجبل ليصلي... ولما كان النهار دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر الذين سمّاهم أيضًا رُسلاً» (لوقا6: 12، 13).
د- احتياجات وطلبات خاصة للآخرين: «قال يسوع ارفعوا الحجر... ورفع يسوع عينيه إلى فوق وقال أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لي...» (يوحنا11: 39-41).
هـ- طلب مجد الله في الحياة: «أيها الآب مجِّد اسمك، فجاء صوت من السماء مجَّدت وأمجّد أيضًا» (يوحنا12: 28).
و- التجارب والمواقف الصعبة: «ولما صار إلى المكان، قال لهم: صلّوا لكي لا تدخلوا في تجربة. وأنفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلّى...» (لوقا22: 40-46).
ز- التشفع في الآخرين: «وقال الرب: سمعان سمعان، هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة، ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك» (لوقا22: 31، 32).
م- جميع المؤمنين واحتياجاتهم المتنوعة: «من أجلهم أنا أسأل... أن تحفظهم من الشرير... قدّسهم في حقك... ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط بل أيضًا من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم» (يوحنا17: 9-20).
خامسًا: ما هي الحالة التي يجب أن يكون عليها المُصلّي؟
ما أكثر الذين يصلّون نهارًا وليلاً ولكن صلاتهم لا ترتفع فوق رؤسهم، لأن الله يهتم بحالة القلب الخارجة منه هذه الصلوات. دعونا نتعلم من سيدنا حتى تكون صلواتنا مقبولة عند إلهنا:
أ- التسليم الكامل: «يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس، ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت» (متى26: 39).
ب- الحرارة واللجاجة: «وإذ كان في جهاد، كان يصلي بأشد لجاجة، وصار عَرقَه كقطرات دم نازلة على الأرض» (لوقا22: 44).
ج- الثقة الكاملة في الله: «ورفع يسوع عينيه إلى فوق، وقال: أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لي، وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي» (يوحنا11: 41، 42).
د- الغفران لإساءة الآخرين: «فقال يسوع: يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون» (لوقا23: 34).
هذه بعض الدروس العملية التي نتعلمها من سيدنا العظيم التي معها سوف نتمتع بعلاقة صحيحة مع إلهنا، وتظهر نتائج صلواتنا بصورة عملية منها:
أ- التغيير الشخصي: «وفيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيّرة ولباسه مبيضًا لامعًا» (لوقا9: 29).
ب- الاستجابة الواضحة: «فجاء صوت من السماء مجَّدتُ وأُمجِّد أيضًا» (يوحنا12: 28).
لتكن طلبتنا المستمرة «يا رب علمنا أن نُصلي» (لوقا11: 1).