في العدد السابق رأينا الحدث الأول في رفيديم وهو الصخرة المضروبة والماء الخارج منها لإرواء عطش الشعب. ورأينا في هذا صورة للمسيح الذي ضُرب لأجلنا. وللروح القدس الذي سكن فينا بعد الإيمان بعمل المسيح. والآن نأتي إلى الحديث الثاني ألا وهو
حرب عماليق (إقرأ خروج17: 8-16)
لا بد أن تعلم صديقي القارئ أن تبعية المسيح والسير معه لن يكونا في طريق مفروش بالورود. ورحلتنا ليست على أرض ملعب نلهو فيه إلى أن نصل لوطننا السماوي؛ بل نحن على أرض معركة تحتاج لجنود رجال، يحملون السلاح ويسهرون ويجاهدون فينتصرون. وإن حدث إنكسار أو سقوط، فهناك رئيس جند الرب الذي يقيمنا ويضمن نصرتنا.
ميعاد الحرب
دارت رحى الحرب الأولى، والتي كان الشعب طرفًا فيها، حيث ظهر عماليق في المشهد في توقيت يتناسب مع ما مضى. فبعد أن خلّص الرب الشعب من فرعون وعبوديته، ومصر ومعاجنها، والمُسخّرين وقسوتهم.. وبعد ترنيمة الفداء على شاطئ النجاة، والأكل من الطعام الشهي - المَنّ - والإرتواء من ماء الصخرة.. بعد هذا أتى عماليق وبدأ الصراع.
طرفا الحرب
1- اعرف عدوك: درس هام يتعلّمه الجندي في بداية دخوله الجيش. فالسلاح والتدريب لازمان، لكنهما غير كافيان. فإن لم تعرف العدو، وخطته في القتال، وقواته، وتسليحه؛ وترسم الخطة المناسبة لمواجهته، فقد تتعرض للهزيمة. والعدو هنا - عماليق - يرمز لأعمال الجسد، أو الطبيعة القديمة التي ستستمر معنا إلى نهاية رحلتنا. فعماليق، الذي انهزم في هذه الجولة، تحيّن الفرصة وظهر مرة أخرى، وتصيّد المستضعفين السائرين في المؤخرة وضربهم (تثنية25: 17-19). وفي أيام السبي ظهر في صورة هامان ورسم الخطة لإبادة الشعب (اقرأ سفر أستير).
2- رجال يشوع: هناك مقولة - وهي صحيحة - أن “الجيش للرجال”؛ فالجندي لا بد أن يكون رجلاً، لا يسقط صريعًا أمام أي خطية تتحرك بداخله، ولا ينهزم أمام أي رغبة جسدية.
رجل يستطيع أن يقول “لا”. وكم من رجال على صفحات الوحي قالوا “لا” للأعداء المشهورين (الجسد والعالم والشيطان)، ودخلوا المعركة بكل جولاتها وقالوا “لا” لكل شهواتها؛ فكان الانتصار حليفهم. نذكر منهم من خاض هذا الصراع، كان شابًا صغيرًا، ولكنه تصرّف كرجل كبير؛ فعندما عُرضَت عليه شهوة الجسد في ميدان معركة يسقط فيها الجبابرة، صمَدَ، وكان رجلاً قاطعًا في ردِّه، وأبى أن ينحني أمامها؛ والسبب أن عينيه كانت مُثبّتة على رئيس جند الرب الواقف أمامه. هل عرفته (اقرأ تكوين39).
لمن الانتصار؟
في داخل كل مؤمن صراع بين الجسد والروح، والغلبة لمن ستكون أنت في صفِّه. فالجسد له أعماله والروح له ثمره (اقرأ غلاطية5: 16-26). فإن راعيت الجسد وغذّيته بقراءة المجلات العالمية وسماع الأغاني الشبابية ومصادقة الشلة “اللي هيّه”؛ هنا سينتصر الجسد ويحزن الروح. ولكن إن فصلت الثمين من المرذول وخضعت لإرشاد وقيادة الروح، وسلّمته أعضائك ليستخدمها كآلات بر لله وصار لسانك قلم كاتب ماهر، فلا يخرج منه كلام رديء بل كل ما يصلح للبنيان، وعيناك لرئيس الإيمان تنظران، وأذناك لكلمة الله تسمعان، ويداك في الأعمال الصالحة تشتغلان، وقدماك في طريق السلام تسيران.. هنا ستكون منتصرًا.
ضمان الانتصار
صيحتان نرى فيهما شراسة المعركة وقوة المعونة الخارجية.
الأولى صوت صياح الكسرة: «ويحي أنا الإنسان الشقي مَن ينقذني مِن جسد هذا الموت». والثانية صوت صياح النصرة «أشكر الله بيسوع المسيح ربنا» (رومية7: 24، 25). وهذا ما نخرج به من المعركة التي أمامنا الآن، والتي يجب أن نتعلم منها لأن «هذه الأمور أصابتهم مثالاً»؛ ففي هذه المعركة نرى يشوع رمزًا لعمل المسيح فينا بالروح القدس وموسى رمزًا للمسيح الذي قام وصعد فوق جميع السماوات وجلس على عرش الله مقدِّسًا ذاته لأجلنا (يوحنا17: 19)، وهو الشفيع الضامن لمركزنا ومقامنا وانتصارنا وهو «يقدر أن يُخلّص أيضًا إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله، إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم» (عبرانيين7: 25). وهو لا يحتاج لمن يسند يديه كموسى، بل بكماله الشخصي، وكمال عمله على الصليب، له يدان لا تكلان ولا تتعبان ولا تحتاجان إضافات من البشر لضمان نصرتنا.
من دور إلى دور
ينتهي هذا الفصل بهذه الكلمات المُشجّعة «للربّ حرب مع عماليق من دور إلى دور» أي أنه هو المسؤول عن نصرتنا في كل جولات هذه المعركة. كما ينتهي أصحاح النصرة (رومية8) بكمالات الرب التي هي لحسابنا. فالمسيح هو الذي مات (كمال محبته) بل بالحري قام (كمال قوته) هو أيضًا عن يمين الله (كمال سلطانه) الذي أيضًا يشفع فينا (كمال معونته). فهيا صديقي نردِّد معًا صياح النصرة «يعظم انتصارنا بالذي أحبنا». وقريبًا ستنتهي جولاتنا مع هذا الجسد بمجيء الرب الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده (فيلبي3: 21).