حزم رامز أمتعه، ليقضي عطلة منتصف العام الدراسي تحت شمس أسوان الدافئة، طلبًا للراحة قليلاً من تعب مذاكرة السنة الدراسية، إذ كان، وقتها، في الصف الثالث الإعدادي. سافر ليحضر مؤتمرًا مع اجتماع الفتيان في مدينته، طما بمحافظة سوهاج. وهناك، كان رامز على موعد ليتخذ أخطر قرار في حياته، وأجمل قرار في الوقت نفسه؛ بل قُل أنه كان على موعد مع الحياة. ففي يوم 1/2/2006، وبعد أن استمع عظة من عظات المؤتمر، كان عنوانها “حُرٌّ من العالم”، تلامس الرب مع قلبه، وأقنعه باحتياجه الشديد للربِّ المحرِّر، فتجاوب رامز مع هذه اللمسة الإلهية؛ وفتح قلبه للربِّ، وقَبِلَه مخلّصًا شخصيًا له لينال به الحرية الحقيقية.
عاد رامز إلى بلدته وبيته شخصًا جديدًا بكل معاني الكلمة، يحب أن يرضي الرب ويعيش كما يريد الرب، ويجتهد أن يُظهر المسيح الذي قَبِلَه في حياته. وطبقًا لما رواه شخصيًا عن اختباره، بعد ذلك؛ كان يتعلم يومًا بعد يوم المزيد عما يريده الرب أن يفعله، وما لا يريده أن يفعله، ويجتهد في أن يطبِّق ما تعلمه. فكان يعتبر كل عظة يسمعها، وكل جزء يقرأه في الكتاب المقدّس توجيهات شخصية له. وهكذا أظهرت حياته نموًا روحيًا شهد به الكثيرون من الذين كانوا حوله.
في صباح يوم الثلاثاء 24 ابريل 2007؛ استيقظ رامز بنشاط كعادته في الصباح الباكر، كأي يوم من الأيام العادية في حياته. ارتدى ثيابه استعدادًا للذهاب للمدرسة في الموعد. لكنه، في الواقع، كان على موعد.. كان على موعد للقاء الشخص الذي أحبه ووضع ثقته فيه مخلِّصًا. وهكذا بلا مقدّمات أو أسباب، انطلق رامز ليكون مع المسيح، حيث الأفضل جدًا. وأصبح اليوم العادي مختلفًا، على غير توقـُّع.
في حفل وداعه المهيب، قرأ أحد الخدَّام هذه الآية المعبِّرة أصدق التعبير عن الموقف: «الإنسان مولود المرأة قليل الأيام شبعان تعب، يخرج كالزهر ثم ينحسم ويبرح كالظل ولا يقف» (أيوب14: 1، 2). ودائمًا، ما أصدق قول الكتاب! وما أقصر الحياة! أقصر كثيرًا مما نظن! إنها أشبار، بل بخار يظهر قليلاً، ثم ما أسرع ما يختفي في اضمحلال.
بعد انطلاقه بأيام، وجد والده في وسط أوراق رامز، مذكرة كتبها لنفسه، رأينا أن ننشرها كما هي (ارجوك اصرف دقيقتين في قراءتها فهي مهمة). بتتبع قصتها، علمنا أن رامز كتبها تجاوبًا مع خدمة كان يسمعها باجتماعه، إذ كان يحرص ألاّ يضيع صوت الرب إليه بل يستفيد من كل كلمة يكلّمه بها. لقد حرَّض الخادم الحاضرين أن يتخذوا قرارات هامة، متكلين على نعمة الله في تنفيذها. وقد فعل رامز. وتشهد أسرته أنهم رأوا غالبية هذه القرارات منفَّذة في حياته في الأسابيع الأخيرة منها. لقد اتخذ قرارات ونفّذها، ففاز بها.
ولا يفوتني أن أقول إن انطلاق رامز السريع كان سبب بركة لشباب وشابات في بلدته، إذ راجعوا موقفهم أمام هذا الرحيل غير المتوقع، فعادوا للرب يسوع تائبين وتغيّرت حياتهم.
في أثناء عودتي من طما، دارت في ذهني عدة أسئلة، أشاركك بها عزيزي القاريء:
ماذا لو أجَّل رامز قراره الذي اتخذه باتباع المسيح، حتى ينتهي من الثانوية العامة، مثلاً؟! هل كانت ستواتيه الفرصة أن يخلص؟!
وتذكرت ذلك الوالي المتهوِّر، الذي ارتعب لما سمع عن البر والدينونة العتيدة، لكنه عوضًا أن يتخذ قرارًا بالإيمان بالمسيح، قال لبولس «اما الآن فاذهب متى حصلت على وقت استدعيك» (أعمال24: 24-27)، ولم نقرأ أن هذا الوقت أتى، للأسف.
* ماذا لو، بعد أن عرف المسيح، قرَّر أن يعيش كما كان يعيش دون تغيير؟! ماذا لو لم يتخذ قرارات جريئة وينفِّذها لمجد المسيح؟! متى كان سيجد وقتًا آخر يكرم فيه المسيح في حياته؟
حضرني ما قالته الترنيمة الشهيرة:
دعني أكرم اسمك وأرفعه الآن
لئلا تمضي الفرصة وينتهي الزمان
فمريم وحدها قد فازت بالنيشان
وطيب المريمات فاته الأوات
والآن ألتفت إليك لأسألك: وأنت يا صديق؟ ماذا عنك؟
ماذا لو جاء موعدك الآن للرحيل على غير انتظار؛ هل أنت مستعد؟ أم تنتظر «متى حصلت على وقت» الذي لن يأتي؟!
يقول الحكيم «لأنّ الإنسان أيضا لا يعرف وقته. كالأسماك التي تؤخذ بشبكة مهلكة، وكالعصافير التي تؤخذ بالشرك، كذلك تُقتنص بنو البشر في وقت شر إذ يقع عليهم بغتة» (جامعة 9: 12). فإن كنت، مثلك مثلي مثل كل البشر، لا تعلم وقتك؛ أفلا تكون عاقلاً وتستعد لما يأتي بغتة؟!! لست صغيرًا يا قارئي العزيز، بل أنت مسؤول أمام الله عن قرارك، فهل تكون حكيمًا؟!
وإن كنت مستعدًا؛ فكيف تستثمر حياتك التي قد تكون أقصر بكثير مما يتوقع الجميع؟ إن الطيب القليل الذي في يدك لتقدمه للرب له قيمة غالية على قلبه اليوم، لكن غدًا قد يكون متأخرًا جدًا! هيا! لا تضيّع الوقت فمضيعة الوقت ليست من شيم الحكماء. هيا كن حكيمًا وافتدي الوقت لأن الأيام شريرة (اقرأ أفسس5: 14-18). استثمر وقتك في طاعة الرب وخدمته، فلن يضيع، ولن تندم.
دعني أسألك: كيف قرّرت أن تقضي ما بقي من أيام حياتك هنا على الأرض؟
وفي كل الأحوال؛ اسمعها نصيحة يا صاحب: “صحصح فوووق”.