صليب بلا مسيح ومسيح بلا صليب

في الجلجثة - في يوم الصليب - كان شخص ربنا يسوع المسيح وسط أناس أشرار وخطاة، ساموه ألوان العذاب، ثم سمَّروه مُعل َقين إياه علي الصليب.

وحول الصليب اكتظَّ الناس أشكالاً والوانًا، وازدحم البشر ليروا أروع وأعظم منظر وقعت عليه عين بشرية في هذا العالم: ابن الله المتجسد على الصليب!!

ولكن العجيب حقًا أن دوافع الذين أتوا كانت مختلفة: منهم مَن أتى بدافع الفضول وحب الاستطلاع، ومنهم مَن جاء بدافع التشفّي والشماتة، ومنهم مَن كان يؤدي مهمة، ومنهم مَن جاء بقلب حزين وعين دامعة ناطقة بكل معاني الولاء والوفاء.

ولكن ما هو الحال معك أنت أيها القارئ العزيز؟  كيف تنظر إلى المسيح المصلوب؟  هل أدركت أنه هو الرب المُخلََص، الوسيط الوحيد بين الله والناس؟  هل قبلته كمخلِّصك الشخصي فنلت بركة غفران الخطايا؟  أم أنك ما زلت ترفضه وتختار صداقة العالم ومسرَّات الخطية الوقتية؟  اعلم أن موقفك من المسيح المصلوب هو الذي يقرِّر مصيرك الأبدي اللا نهائي.

ودعني أخبرك - عزيزي القارئ - أن العالم كله، بالنسبة إلى نظرته إلى المسيح المصلوب، ينقسم إلى أربع فئات، وعليك أن تقرِّر من أي فئة أنت:

1- أولئك الذين يريدون صليبًا بلا مسيح: فمن الممكن أن يوقِّر الناس رمز الصليب، حتى أن بعضًا قد ينقشون على سواعدهم صليبًا من زخارف ورسوم، أو يشبكون بأيديهم صليبًا من حديد أو خشب، أو يعلِّقون في أعناقهم صليبًا من فضة أو ذهب؛ ولكنهم ينسون، أو يتناسون، أن مجرد العلامة أو الشارة لن تكفِّر البتة ولو عن خطية واحدة، فإنما الرب يسوع المسيح وحده هو من يفدي ويخلَص نفوسنا بدمه الثمين الذي سُفك على الصليب.  وطريق الخلاص بسيط لكنه ليس سهلاً ولا رخيصًا، لأن المسيح، لكي يكون مصدر سلامنا، كان لا بد أن يجوز في آلام الصليب، وكان لا بد أن يحمل خطايانا فى جسده على الخشبة «وبهذا (الشخص) يُنادى لكم بغفران الخطايا، وبهذا (الشخص) يتبرَر كل مَن يؤمن مِن كل ما لم تقدروا أن تتبرَروا منه بناموس موسى» (أعمال13: 38، 39).

2- أولئك الذين يريدون مسيحًا بلا صليب: فمن الممكن أن ينظر الناس إلى المسيح باعتباره نبيًا عظيمًا، أو معلِّمًا قديرًا، أو مُصلحًا اجتماعيًا رائعًا، أو مثلاً أعلى للأخلاق وللقدوة الصالحة.  ولكن الصليب بالنسبة لهؤلاء ما زال مُحتقَرًا، والمخلَص الذي صُلب ما زال مرفوضًا.  إن لسان حالهم: كيف يكون المسيح ابن الله؛ الله الظاهر في الجسد، ويموت على خشبة العار؟!!

إنهم يُفضِّلون مُخلِّصًا بغير صليب، وإنجيلاً بغير دم، لكن لا هذا ولا ذاك يصلح.  فحياة المسيح التي عاشها على الأرض بالطاعة لله، لا يتكلم الكتاب عنها إنها سبب خلاصنا وغفران خطايانا، بل موته الكفاري على الصليب هو الذي فتح الباب لتجري إلينا محبة الله، ولولا ذلك لبقيت مُغلقة إلى الأبد.  فلو كان قد عاش إلى الآن، يُعلِّم الناس، ويُطعم الجياع، ويشفى المرضى، ويُقيم الموتى، دون أن يُكفِّر عن خطايانا، ما كانت هذه الخدمات، مع سموها وفائدتها، لتخلِّصنا من دينونة خطايانا، ومن ثم كنا نقضي حياتنا في شقاء أبدي وبِئس المصير.  فلو كان المسيح قد تجنب الصليب - وكان ميسورًا لديه - لظلَّت خطايانا سائدة علينا. 

وإن ظن أحد القراء أنه يمكنه النجاة من غضب الله بطريقة غير صليب ابنه، فهو يرتكب خطأً كبيرًا جدًا، فالخطية يجب ان تُدان، ومن ثم أصبح ضروريًا أن تكون هناك كفارة قبل أن يحصُل الإنسان على الخلاص، وهذا ما عمله المسيح علي الصليب.

3- أولئك الذين لايريدون مسيحًا ولا صليبًا: هؤلاء هم الذين طرحوا الله بعيدًا عنهم، وتنكَّروا لِما هو مقدَّس، فلا تؤثِّر فيهم آلام المسيح ولا تعنيهم أحزانه، ولا يتوبون عن خطاياهم ليتمتعوا بكفارته «فيقولون لله: ابعُد عنا، وبمعرفة طُرقك لا نُسَرُ.  من هو القديرُ حتى نَعبُدهُ؟  وماذا ننتفع إن التمسناهُ؟» (أيوب21: 14، 15).  ويا له من غرور باطل وضلال مُبين!  ويا لها من حالة مخيفة وغواية كبيرة!

هؤلاء هم المهملون والمتهاونون.  ومكتوب عن المهملين «كيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصًا هذا مِقدَارُهُ؟» (عبرانيين2: 3).  ومكتوب عن المتهاونين «انظروا أيها المتهاونُون، وتعجَبُوا واهلِكُوا!» (أعمال13: 41).  نعم، سيتعجبون عندما يفاجِئُهم الهلاك بغتة كالمُخاض للحُبلى فلا ينجون، ثم يهلكون إذ يقفون عُراة أمام العرش العظيم الأبيض ليُدانوا بحسب أعمالهم، والنتيجة هي الطرح فى بحيرة النار حيث يتعذبون نهارًا وليلاً إلى أبد الآبدين (رؤيا20: 11-15).

 

عزيزى: إن النجاة من الغضب والشقاوة أمر مستحيل مع الإصرار على إهمال المسيح المصلوب الذي فيه وحده الخلاص.

4- أولئك الذين أتوا بالإيمان إلى المسيح المصلوب أولئك الذين يحق لهم أن يقولوا: «الذى حمل هو نفسهُ خطايانا فى جسده على الخشبة» (1بطرس 2: 24).  فهناك فقط حمل خطايانا؛ لا فى المذود، ولا فى البرية، ولا فى بستان جثسيمانى؛ بل على الخشبة.  هناك نكَّس رأسه الكريم تحت ثقل الخطية، وجُعِلَ خطيَةٌ لأجلنا (2كورنثوس5: 21).  إنه - تبارك اسمه – قد طهَّر خطايانا ومحاها بذبيحة واحدة على الصليب.  وله يشهد جميع الأنبياء، أن كل مَن يؤمن به، له – من الآن، فى هذه اللحظة – الغفران الكامل، والعفو الكامل، والتحرير الكامل من جميع الخطايا، فيكون طاهر وبلا عيب قدام الله.  ولئك يضمّون صوتهم مع من قال: «وأما من جهتي، فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي به قد صُلِبَ العالم لي وأنا للعالم» (غلاطية 6: 14).  وأيضًا «فإن كلمة الصليب (أي كلمة الله التي تُخبرنا عن الصليب) عند الهالكين (أي الذين لايؤمنون بشخص ابن الله ولا بعمله الكفاري) جَهالة، وأما عندنا نحن المُخلًصِين (الذين نؤمن إيمانًا حقيقيًا) فهي قوَة الله» (1كورنثوس 1: 18).

فمن أي فئة أنت؟..  هل تؤمن أن يسوع المسيح الذي مات على الصليب هو الآن عن يمين الله؟  وهل تؤمن أن دمه الكريم قد سال على الصليب من أجل الخطاة، وأنه أشبع قلب الله، وأنه هو الواسطة الوحيدة للخلاص لكل مَن يُؤمن؟  إن كنت تؤمن فطوباك، «لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خلَصت» (رومية 10: 9).