ما زلت أذكر هذا الاجتماع جيدًا. طلب منّا الواعظ أن نُخرج ورقة وقلمًا؛ فاخرجنا. ثم طلب منا أن نرسم علي الورقة شكلاً مثل قُبَّة؛ فرسمنا. ثم طلب أن نرسم مستطيلاً تحت القبة، فتملَّكنا العجب، لكننا فعلنا ما طلب منا. ثم عاد وسألنا أن نضع صليبًا أعلى القبّة فوضعنا.
ثم سألنا: “ماذا انتم راؤون أمامكم الآن؟” فنظرنا إلى الورقة، ثم إلى بعضنا البعض، ثم إلى الواعظ متحيرين!!
حاول بعضنا التخمين، فلم يفلح أحدنا في الوصول إلى قصد الواعظ. ثم أفصح الواعظ عن غرضه.
قال لنا: هَبوا أن هذا الشكل المستطيل هو القبر الذي سترقدون فيه بعد ما شاء الله لكم من العمر. أطال الله بقاءكم.
فقلنا: يا ستار. فال الله ولا فالك. لسنا ننتظر الموت، إننا ننتظر مجيء الرب؛ إذ لسنا نريد أن نخلعها بل أن نلبس فوقها لكي يُبتلع المائت من الحياة؛ مقتبسين قول الرسول بولس في عَرَض حديثه عن الخيمة الأرضية أو الجسد المادي.(2كورنثوس5 : 4).
قال الواعظ: لا بأس عليكم.. إنما أردت أن أوضِّح فكرة ما. قلنا له: هاتـها أفادك الله.
قال خادم الرب: قلت لكم: تصوّروا أن هذا هو قبركم. قلنا: تصوَّرنا .
قال: اكتبوا على جانب منه ما تعتقدون أنه سوف يُكتَب عنكم من الناس عند رُقادكم. وعلى الجانب الآخر اكتبوا تقريرًا صادقًا أمينًا عما يمكن أن تكتبوه أنتم عن أنفسكم على شاهد قبركم.
ساد الصمت طويلاً، وكل منا يراجع نفسه، ويستعرض جوانب حياته المختلفة. وما أثَّر فيَّ تأثيرًا بالغًا هو صِدق أحد الخدّام المُخلِصين، وهو يقول في تقريره عن نفسه الذي سيكتبه علي قبره: “خدم كثيرًا؛ لكنه خدم نفسه أكثر من خدمته للرب”. أكبرتُ في أخي صدقه مع نفسه. ولم تكن باقي التقارير أفضل حالاً، خاصة من الصادقين.
انتهي الاجتماع، ومَرَّ من الأعوام أكثر من عشرة بعد انتهائه، لكنني ما زلت أذكر الانطباع الذي خرجت به، وما زلت أسأل نفسي: “تُرى.. ما هو، بالأحرى، تقرير الرب عني فيما قد مضى من عمري؟”. وليس تقرير الناس أو تقريرى.
قال خادم لا يُبارى في أمانته للرب: «أقلّ شيء عندي أن يُحكم فيَّ منكم أو من يوم بشر. بل لست أحكم في نفسي أيضًا... ولكن الذي يحكم فيّ هو الرب» (1كورنثوس4: 3، 4).
وهاكم نماذج من تقارير أمينة، لا يرقي إليها الشك، قد سطّرها الوحي عن أُناس قد عاشوا حياتهم، وقد انتهت من مئات السنين، ولا سبيل لتغييرها أو تعديل تقريرها:
1- كُتب عن شخص اسمه “ديماس” أنه «قد أحبَّ العالم الحاضر» (2تيموثاوس4: 10). وهو تقرير أسيف، لكنه ينطبق على كثيرين غيره ممن عاشوا حياتهم ولا همَّ لهم سوى إشباع رغباتهم وتسلية أنفسهم. فلم يفقهوا أي معنى لإنكار النفس، وحمل الصليب، واتِّباع المسيح. حاولوا أن يجدوا حياتهم، أو “يعيشوا حياتهم”، فأضاعوها (متى 10: 39)
2- يشبه ما قيل عن ديماس ما دُوِّن عن لوط، الذي قيل عنه في 2بطرس2: 7 أنه كان «مغلوبًا من سيرة الأردياء في الدعارة... إذ كان يعذب، يومًا فيومًا، نفسه البارة بالأفعال الأثيمة». فشتَّان الفارق بين إبراهيم، رجل الإيمان، الذي عاش غريبًا في خيام؛ وبين لوط الذي اختار لنفسه، فنقل خيامه الى سدوم (تكوين13: 12). وقد اجتذبته محبة العالم وشهوات سائر الأشياء، فعاش مغلوبًا معذَّبًا، عوضًا عن أن يعيش متمتِّعًا في جو الشركة الحلوة مع الله. أوَليس هذا هو حال الكثيرين منا.
3- يبقى أنه هناك الكثير والكثير من الأفاضل الذين أكرموا الله، وسجَّل عنهم الوحي أروع التقارير. رجال لم يستحِ الله أن يُدعى إلههم. من هؤلاء داود، الذى يسجِّل عنه الوحي أنه «خدم جيله بمشورة الله» (أعمال 13: 36). كتب “ريك وارين” عن هذه العبارة: “ليس من نقش على قبر أعظم من تلك العبارة. إني أصلّي أن يتمكن الناس من أن يقولوا ذلك عني بعد أن أموت. إنها التعريف الأمثل لملء الحياة، أن تفعل الأبدي والخالد (مشورة الله أو قصده) بطريقة معاصرة (في جيلك). لا يمكن لمن مضوا من عظماء الخدام أن يخدموا قصد الله لهذا الجيل، كما لا يمكن للقادمين بعدنا أيضًا أن يخدموه”.
فهل نكون أشخاصًا يَدَعون الفرصة لله لكي يستخدمهم لإتمام مقاصده في هذا الجيل.
صديقي تُرى ما هو تقرير الله عما قد مضى من حياتك؟
وماذا تحبّ أن يكتب عن الباقي منها؟