مقدمين بعضكم بعضا فى الكرامة
المؤمن الحقيقي بالرب يسوع المسيح، والذى هو دائم الشركة معه، لا يبحث عن كرامة فى هذا العالم، ولا يسعى إليها؛ ولا حتى بين إخوته. ولكن من جانب آخر، علينا كمؤمنين أن نقدِّم بعضنا بعضًا فى الكرامة. فالأخ يتضع ويأخذ المكان الأخير، بينما يعطي إخوته كرامة ويقدمّهم ويفضِّلهم على نفسه.
وفي كلام الرب لنا عن الحياة اليومية، يعلـِّمنا أن الشخص لا يجب أن يبحث عن المكان الأول، بل الأخير؛ فيقول: «متى دُعيت من إحد إلى عُرسٍ فلا تتكئ في المُتكإ الأول؛ لعل أكرم منك يكون قد دعيَ منه... بل متى دُعيت، فاذهب واتكئ في الموضع الأخير، حتى إذا جاء الذي دعاك يقول لك: يا صديق ارتفع إلى فوق. حينئذ يكون لك مجدٌ أمام المتكئين معك. لأنّ كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع» (لوقا 14: 8-11). هذه هي تعاليم ربنا يسوع المسيح الساميه والعظيمة.
أما مبدأ العالم فهو - بالأسف - حب الظهور والبحث والسعي وراء مدح الاخرين والحصول على كرامة منهم. هذا ما فعله شاول الملك إذ قال لصموئيل النبي «والآن فاكرمني أمام شيوخ شعبي... وارجع معي فأسجد للرب إلهك (1صموئيل 15: 30). وهنا نجد أن الملك شاول سجد سجودًا شكليًا ومظهريًا، ليس لغرض السجود للرب، بل لكي ينال كرامة أمام الآخرين.
وتأتي كلمة «مقدّمين» بمعنى “مفضّلين”. أي أننا، في علاقتنا مع المؤمنين الحقيقيين، يجب أن نفضِّل رؤيتهم مكرَّمين أكثر من أنفسنا. وهذا الأمر يتطلب أن ننكر أنفسنا، وأن نعيش متضعين. وأن نحب بعضنا بعضًا من قلب طاهر وبشدة؛ لأن المحبة لا تتكلم عن نفسها. وأن نحسب بعضنا البعض أفضل من أنفسهم، وأكثر أهمية من أنفسنا؛ وهذا يأتي عندما نلاحظ مواهب وخدمة إخوتنا، ونقدِّمهم لما أعطاه الله لهم، وأن نُسَرّ حين نسمع مدحًا لهم. قال أحد رجال الله الأفاضل: “نقدِّم الكرمة للآخرين ونُكرمهم باعتبارهم أحق منا في الإكرام”. وقال آخر: “يجب أن نتمنّى أن أخانا يُكرَم أكثر منا ونتسابق معًا في مَن يزيد على غيره في تقديم الكرامة بعضنا لبعض في الرب”. بحق هذا هو مثال المسيح وتعليمه، ولا يوجد شىء مثل ذلك في العالم.
وان كان المؤمن مبغَضًا من العالم، بسبب إيمانه بالرب يسوع، وكذلك بسبب سلوك البِرِّ والاستقامة؛ لكنه يجب أن يكون مكرَّمًا من إخوته ومحبوبًا لأنه في المسيح، ولأنه أيضًا عضو في جسد المسيح.
لقد أعطى الله جميع المؤمنين كرامة، إذ مكتوب: «فلكم أنتم الذين تؤمنون الكرامة» (1بطرس2: 7). وكذلك كل من يتضع له كرامة، لأن «قبل الكرامة التواضع» (أمثال 18: 12). وأيضا كل من يُكرِم الرب لأن قوله: «حاشا لي فإني أُكرم الذين يكرمونني والذين يحتقرونني يصغرون» (1صموئيل 2: 30). فلقد أعطى الله الملوك الأتقياء غنى وكرامة مثل داود وسليمان ويهوشافاط وحزقيا (1أخبار 29: 28؛ 2أخبار 1: 12؛ 17: 5؛ 32: 27). أما المؤمن الذي لا يُكرم الرب فلا يكرمه الرب؛ فعزّيا الملك، عندما خالف وصية الرب، وخان ودخل هيكل الرب ليوقد على مذبح البخور؛ فإن الرب ضربه بالبرص وطرده الكهنة وقالوا له: «ليس لك من كرامة من عند الرب الإله» (2أخبار 26: 18). أما الشخص الشرير فليس له كرامة لأن الخطية تأتي بالعار والهوان والخزى، ولقد قال بالاق لبلعام العراف: «هوذا الرب قد منعك عن الكرمة» (عدد 24: 11)، وهى عبارة صحيحة تنطبق على كل شخص شرير. وكذلك الجاهل لا تُعطى له كرامة لأن «الكرامة غير لائقة بالجاهل» (أمثال26: 1).
وإن كان الكتاب قد أوصى بأن نقدِّم بعضنا بعضًا فى الكرامة، لكن الذي يتعب فى خدمة الرب ويخاطر بنفسه من أجل عمل المسيح، يجب أن تكون له كرامة خاصة؛ مثل أبفرودتس الذي من أجل عمل المسيح قارب الموت مخاطرًا بنفسه، لذلك يوصي الرسول بولس مؤمني فيلبى أن يقبلوه بفرح وأن يكون مثله مكرَّمًا (فيلبي2: 28-30). وكذلك من يتعب في الرعاية والتدبير والكلمة والتعليم كما هو مكتوب «أما الشيوخ المدبّرون حسنا فليُحسَبوا أهلاً لكرامةٍ مضاعفة، ولا سيما الذين يتعبون في الكلمة والتعليم» (1تيموثاوس 5: 17).
ونجد أن بولس الرسول قدَّم كل من فليمون وتيموثاوس في الكرامة، إذ قال عن فليمون إنه الأخ المحبوب والعامل معنا، وإن الكنيسه في بيته، وله محبة وإيمان نحو الرب يسوع ولجميع القديسين، وإن أحشاء القديسين قد استراحت به. وعن تيموثاوس قال: لأن ليس لي أحد آخر نظير نفسي يهتم بأحوالكم بإخلاص، وأنه كولد مع أب خدم معه لأجل الإنجيل (فيلبي2).
أخي.. أختي.. ليتنا نتعلم من كلمة الله هذا الأمر، وأن نكون شغوفين ومجتهدين أن نقدِّم الآخرين على أنفسنا، وأن نقدمهم في الكرامة متذكّرين هذه الوصية المنسية «مقدّمين بعضكم بعضًا في الكرامة»