ونحن نتأمل في النموذج الكامل - الرب له المجد - كإنسان عاش في أرضنا، يلفت نظرنا - كما تكلمنا سابقًا - أن يُذكر عنه بعض العادات الثابتة المتكرِّرة في حياته، وهي: الصلاة، حضور المجمع، التعليم. وقد تأمّلنا سابقًا في موضوع الصلاة والآن سنتأمل ببعض التفصيل في الموضوع الثاني وهو “حضور المجمع”.
أولاً: ما هو المجمع؟
كان لدى اليهود قديمًا الهيكل في أورشليم، حيث كانت تقدَّم الذبائح والتقدمات، بحسب الشريعة الموسوية. ولكن بعد سبي الشعب وتشتيتهم، أقاموا أماكن ليجتمعوا فيها للصلاة وقراءة كلمة الله والتعليم، في كل مدينة تواجدوا فيها؛ وهذه سُميت بـ“المجامع”. وعندما تجسَّد الرب كانت هذه المجامع متواجدة في معظم المدن التي جال فيها. لذلك نقرأ كثيرًا عنه أنه «دخل إلى المجمع» (مرقس1: 21). وبعد صعود المسيح إلى السماء استمر التلاميذ والمؤمنون في الذهاب إلى الهيكل والمجامع للكرازة بالمسيح المخلّص؛ لكنهم قوبِلوا بالرفض الشديد وطُردوا خارجًا (أعمال2: 46؛ 5: 42؛ 6: 15؛ 13: 14، 15). فصاروا يجتمعون في البيوت (أعمال1: 13؛ 12: 12...).
ثانيًا: ما هو الغرض من حضور الاجتماع؟
كثيرون يحضرون الاجتماعات لأهداف مختلفة؛ لكن دعونا نرى ماذا تعلّمنا كلمة الله عن ذلك:
1- للتمتع بحضور الرب في الوسط: لقد وعد الرب يسوع المجتمعين أنه «حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي (أو إلى اسمي) فهناك أكون في وسطهم» (متى18: 20). وهو المكتوب عن بالنبوة «أخبر باسمك إخوتي» (مزمور22: 22).
2- لتقديم السجود والعبادة: لقد قال الرب يسوع للمرأة السامرية «الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق، لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له» (يوحنا4: 23). والرب ينتظر منا مثل هذا السجود.
3- لتعلُّم كلمة الله: دخل الرب يسوع الهيكل وهو صبي في الثانية عشر من عمره، ونقرأ عنه أنه كان «جالسًا في وسط المعلّمين يسمعهم ويسألهم» (لوقا2: 46). ثم عندما بدأ خدمته نقرأ عنه «دخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ؛ فدُفع إليه سفر إشعياء النبي...» (لوقا4: 16-22). ثم نقرأ عن المؤمنين في بداية تكوين الكنيسة أنهم «كانوا يواظبون على تعليم الرسل» (أعمال2: 42).
4- الشركة الروحية: حيث أن المؤمنين الحقيقين قد انفصلوا عن العالم الحاضر الشرير، فلا يمكن أن تكون لهم شركة فعلية معه، وينطبق عليهم القول «أيّة شركة للنور مع الظلمة» (2كورنثوس6: 14). لذلك أوجد الله لهم دائرة شركة جديدة، ليتمتعوا فيها معًا بالشركة الحقيقية المشبعة. فنقرأ عن المؤمنين الأوائل أنهم «كانوا يواظبون على... الشركة» (أعمال2: 42). ونقرأ قول المرنم قديمًا «هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الإخوة معًا... هناك أمر الرب بالبركة حياة إلى الأبد» (مزمور133: 1-3).
5- صُنع ذكرى موت الرب: نقرأ في الاناجيل أن الرب يسوع، في الليلة الأخيرة من حياته على الأرض، اجتمع مع التلاميذ في العلّية، وبعد أن تناولوا العشاء الأخير للفصح «أخذ خبزًا وشكر وكسر وأعطاهم قائلاً: هذا هو جسدي الذي يُبذل عنكم؛ اصنعوا هذا لذكري. وكذلك الكأس...» (لوقا22: 19، 20). وهذا ما ابتدأ المؤمنين يفعلونه من البداية إذ يذكر عنهم أنهم «كانوا يواظبون على... كسر الخبز» (أعمال2: 42). ولهذا نحن نجتمع في أول كل اسبوع لنتمِّم وصية الرب.
ثالثًا: ما هي الحالة الصحيحة التي يجب أن نكون عليها في الاجتماع؟
كثيرون يحضرون الاجتماعات ويواظبون عليها، ولكن هل نحن في الحالة الصحيحة ونحن داخل الاجتماع؟
1- الاحترام والتقدير للرب الحاضر في الوسط: عندما ظهر الرب قديمًا لموسى في العليقة قال له: «لا تقترب إلى ههنا. اخلع حذاءك من رجليك؛ لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة» (خروج3: 5). ويكتب لنا إشعياء النبي قديمًا عن الرؤيا التي رآها «رأيت السيد جالسًا على كرسي عالٍ ومرتفع، وأذياله تملأ الهيكل. السرافيم واقفون فوقه، لكل واحد ستة أجنحة: باثنين يغطي وجهه، وباثنين يغطي رجليه، وباثنين يطير. وهذا نادى ذاك وقال: قدوس قدوس قدوس» (إشعياء6: 1-3). ويكتب المرنم قديمًا «قدِّموا للرب مجد اسمه. اسجدوا للرب في زينة مقدسة» (مزمور29: 2).
2- الإنصات والتركيز لفهم كلمة الله: عندما دخل الرب يسوع الهيكل وهو صبي جلس وسط المعلمين «يسمعهم ويسألهم وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته» (لوقا2: 46-47). ثم عندما دخل المجمع بعد ذلك في بداية خدمته وابتدأ يُعلِّم نقرأ عن الحاضرين «وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه... وكان الجميع يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه» (لوقا4: 20-22).
3- قلب متضع صادق راغب في التغيير: ذكر الرب يسوع مثلاً عن إنسانين صعدا إلى الهيكل ليصلّيا واحد فريسي والآخر عشار (لوقا18: 9-14)، حيث نرى الفريسي وكبرياءه واعتداده ببرِّه الذاتي، أما العشار فأقرَّ بحالته باتضاع وإنكسار، طالبًا التغير الحقيقي. وكانت النتيجة أنه نزل مُبرّرًا دون هذا الفريسي. ويكتب لنا إشعياء قديمًا «يقول الرب: وإلى هذا أنظر؛ إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي» (إشعياء66: 2).
4- البُعد عن الرياء والمظهر الخارجي المتعارض مع الحالة الداخلية الفعلية: واجه الرب يسوع الكتبة والفريسيين في نهاية خدمته على الأرض، لأنهم كانوا يهتمون بالمظهر الخارجي والعبادة الظاهرية في الهيكل والمجامع، دون الاهتمام بالحالة الداخلية الفعلية للإنسان «ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تنقّون خارج الكأس والصحفة، وهما من الداخل مملوآن اختطافًا ودعارة... تظهرون للناس أبرارًا ولكنكم من داخل مشحونون رياءً وإثمًا» (متى23: 25-28).
أخيرًا؛ ليتنا نفحص أنفسنا جيدًا متسائلين:
هل نحن نقدِّر الاجتماع حول الرب؟
وما هو هدف وجودنا في الاجتماع؟
وما هي حالتنا الداخلية ونحن في حضرته؟
ليكن لسان حالنا ما كتبه المرنم قديمًا «ما أحلى مساكنك يا رب الجنود، تشتاق بل تتوق نفسي إلى ديار الرب. قلبي ولحمي يهتفان بالإله الحي» (مزمور84: 1، 2).