الفتى البالونة

كتب أحدهم يقول:

ذكر أنني كنت الأول على المدرسة، لما كنت في الإعدادية؛ فطِرُت بشهادتي منتفخًا سعيدًا، أقول: ”يا أرض اتهدّي ما عليكي قَدي“.

كان يومًا مشهودًا: مراهق نال المركز الأول على المدرسة، يشعر بأنه فى القمة، وكل من حوله في القاع.  كنت كبالونة منفوخة، وفجأة جاء من ”يفسّها“، وكان هذا والدي الذي فعل ذلك.  أبرزت له شهادتي، ورُحت أثرثر حول إنجازاتي، وأخترع لنفسي أمجادًا وبطولات، والرجل صامت يبتسم.  ثم قال لي: مجموعك الكلي أقلّ من النهاية العظمى بخمسين درجة.

فقلت: ولكني الأول، ولا يوجد أول مكرَّر، والثاني بعدي بمراحل طويلة. 

فقال: افترض أن كل المدرسة حصلت على ”صفر“، وأنت حصلت على درجة واحدة؛ ألست الأول أيضًا؟  يمكن أن تكون الأول على الراسبين والفاشلين، لا تفرح لأنك ”أحسن الوحشين“.  يا بني لا تنظر إلى ترتيبك، لا تقارن نفسك بالآخرين، اهتم بحجم إنجازك فقط.

ثم قال أيضًا: اِحزَن على ما فقدت، أكثر من فرحك بما حصدت.  لا يعمينّك صوابك القليل عن أخطائك الكثيرة.  لا تسعد بأنك ”أعور“ وسط العميان.

ونتيجة كل ذلك أن البالونة لم تعُد منفوخة، وشعرت بحماقتي وخيبتي وجهلي.

صديقي:

ذكَّرني هذا الفتى ببيلشاصر الملك الشرير، الذي، وهو في أوج نشوته وكبريائه ولذّته، إذ شرب خمرًا قدَّام الألف، وبينما كان يحتسي الخمر، أمر بإحضار آنية الذهب والفضة التي أخرجها نبوخذ نصر أبوه  من الهيكل، وشرب بها الملك وعظماؤه وزوجاته وسراريه.  في تلك الساعة ظهرت أصابع يد إنسان، وكتبت على مُكلَّس الحائط: «منا منا، تقيل وفرسين» (دانيآل5: 25).  فتغيّرت هيئة الملك، وانتابته حالة هلع.  ولم يستطع السحرة والمنجمين تفسير الكتابة.  لقد كان منذ قليل بالون منتفخ جدًا، حتى جاء من يفجِّره.  إنه دانيآل النبي الذي فسَّر الكتابة قائلاً له: «”منا“: أحصى الله ملكوتك وأنهاه.  ”تقيل“: وُزِنتَ بالموازين فوُجِدتَ ناقصًا.  ”فرس“: قسمت مملكتك وأُعطيت لمادي وفارس» (دانيآل5: 26-28).  وفي تلك الليلة قُتل الملك المنتفخ، وأُخِذَت منه المملكة، وتم فيه القول:  «تاه قلبي.  بغتني رُعب.  ليلة لَذّتي، جعلها لي رعدة» (إشعياء21: 4).

وكم من الشباب الذين يفتخرون بإنجازاتهم، وكأنهم هم الذين أحرزوها، ويزهون بعضلاتهم وكأنهم هم الذين صنعوها، ويتباهون بعقولهم وكانهم هم الذين ابتكروها؛ ويتناسون أن «من افتخر فليفتخر بالرب».

حتى في المجال الروحي تجد بعض من هؤلاء: يرنمون ترنيمات ولا  يعون معانيها، يرددون صلوات ولا يدرون ماذا تحتويها، يتشدَّقون بفضائل ولا يعيشون فيها.  ثم يرفضون النصيحة، وإذا جلس معهم شيخ أو ناصح، كانت الجلسات رجعية وغير مريحة.

فما أحوجنا إلى فضيلة الاتضاع، وما أسعدنا إن خضعنا وأطعنا قول الكتاب: «أيها الأحداث اخضعوا للشيوخ، وكونوا جميعًا خاضعين بعضكم لبعض، وتسربلوا بالتواضع؛ لأن الله يقاوم المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة» (1بطرس 5: 5).