أمسكت بجريدة أخبار اليوم المصرية الصادرة يوم السبت الموافق 18/8/2007، وقرأت سريعًا العناوين الرئيسيه في الصفحة الأولى، ثم انتقلت للصفحة التالية، فاستوقفني خبر غريب جعلني أطوي الصفحة، بطريقة يعلمها قارئي الجرائد، لكي أقرأ الخبر بإمعان أكثر. أبرقت عيني وعَلَت وجهي ابتسامة غريبة تناسب غرابة الخبر الذي أقرأه، والذي يقول عنوانه "طلبت دخول السجن للإقلاع عن التدخين". أما عن محتوى الخبر فهو أن فتاة أمريكيه طلبت من المسؤولين في سجن مدينة "أيوا" الأمريكيه الدخول للسجن لبضعة أيام؛ كي تتمكن من الإقلاع عن التدخين. وقالت الفتاة، والتي تبلغ من العمر 23 عامًا، إنها لم تنفع معها أي من العلاجات التقليدية للإقلاع عن التدخين، وقالت أيضًا إنها أصبحت لا تستطيع التنفس بشكل طبيعي. والأغرب في الأمر أنها عرضت عليهم دفع نفقة الإقامه في السجن، لكن طلبها قوبل بالرفض من المسؤولين.
انتهيت من قراءة الخبر وقد انتابتني مشاعر متناقضة: ما بين الحزن الشديد على هذه الفتاة المسكينة المقيَّدة، والتي لا تجد مخرَجًا لها؛ والسعادة الغامرة بسبب الحرية التي وهبها لنا المسيح. ولي معك عزيزي القارئ بعض الملاحظات من خلال كلمات معينة، وضعت تحتها خطًّا، جاءت في سياق الخبر، تُعبِّرعن حالة الكثيرين منا في هذه الايام؛ وهي:
1- طلبت
يا لها من كلمة رائعة تدل على مدى الاحتياج داخل النفس البشرية للحرية والخلاص من العبودية. وقد تذكَّرت على الفور كلمات الكتاب المقدس عن شخص آخر، تضايق كما تضايقت هذه الفتاة، وطلب كما طلبت هي؛ لكن كان هناك اختلافًا شاسعًا بينهما؛ فمكتوب عن الملك منسى في 2أخبار33: 12 «ولما تضايق طلب وجه الرب إلهه، وتواضع جدًا أمام إله آبائه». وهناك أيضًا زكا الذي «طلب أن يرى يسوع» (لوقا 19: 3). أما هذه الفتاة، فقد طلبت، ولكن للأسف في الاتجاه الخاطئ؛ فقد طلبت من البشر. لقد غاب عنها ما قيل عن الرب «وليس بأحد غيره الخلاص» (أعمال4: 12).
أخي الحبيب.. من الرائع أن تُعلن احتياجك، وتطلب الخلاص والحرية، لكن الأهم هو أن تطلبها من الرب وحده؛ فهو الطريق الوحيد للخلاص.
2- الدخول للسجن
يا له من طلب غريب يدعو للشفقة؛ فقد طلبت التحرير من قيد التدخين بدخول السجن!! لكنني لا أندهش كثيرًا، قارئي العزيز، فالذي يشعر بثقل العبودية وقسوة قيود الخطية لن يترك بابًا يشعر فيه ببارقه أمل إلا ويطرقه بشدة. وقد فقدت هذه الفتاة أيَّ أمل في نفسها، وفيمن حولها؛ لذا فقد قرّرت أن تتخلص من هذه القيود، حتى ولو بالقوة الجبرية. ولكن للأسف لا تصلح الطرق التي يبتدعها الفكر البشري للتحرير. فما أن نتحرر من قيد حتى نجد آخر ينشب مخالبه في أجسادنا ويتمّلك فينا بقوة. يقول الكتاب «الشرير تأخذه آثامه وبحبال خطيته يُمسَك» (أمثال5: 22). وإذا افترضنا أن الحل لهذه الفتاة سيكون السجن، كما رأت هي لنفسها، فمن يضمن لها البقاء في الحريه بعد الخروج من السجن؟!
أخي الحبيب.. مكتوب في سفر أيوب هذه الكلمات الرائعه «كيف أعَنتَ من لا قوة له» (أي26: 2).
3- لم تنفع معها العلاجات التقليدية
نعم، ولن تنفع معك أيضًا أخي الحبيب. فقد تتوقع أن يأتيك الخلاص بأعمالك الصالحة أمام الله، لكن انظر ما قاله الكتاب في هذا الامر «وقد صرنا كلنا كنجس، وكثوب عدّة كل أعمال برنا، وقد ذبلنا كورقة، وآثامنا كريحٍ تحملنا» (إشعياء64: 6). كذلك مكتوب في أفسس2: 9 «ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد». لقد حدث مع هذه الفتاه ما حدث قديمًا مع نازفة الدم في مرقس5: 26 إذ يقول عنها الكتاب «وقد تألّمت كثيرًا من أطباء كثيرين، وأنفقت كل ما عندها، ولم تنتفع شيئًا؛ بل صارت إلى حال أردأ». لكن هل ينتهي الأمر عند هذا الحد؟!
اطمئن أخي الحبيب، ولا تفشل في حالتك، ولا تيأس مهما وصلت إليه؛ فقد قال الرب يومًا كلماته الشهيرة «تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم» (متى11: 28).
4- قوبل طلبها بالرفض
نهاية مفزعة وإجابه مروعة لتلك الفتاة التي تقدّمت بالطلب لمسؤولي السجن، وهي تحلم بذلك اليوم الذي تدخل فيه السجن لتخرج محرَّرة من قيد التدخين، حتى ولو كانت هذه مجرد محاولة من محاولاتها الفاشله، إلا أنها قطعًا كانت تأمل، ولو بنسبة قليلة، في التحرر من خلال هذه الفكرة الغريبه؛ لكن حتى هذه الطريق أغُلقت أمامها، وصارت بلا أمل في الشفاء.
عزيزي القارئ، هل وصلت إلى ما وصلت إليه هذه الفتاة؟ أؤكِّد لك أن الحل بالنسبة لهذه الفتاة، ولكل من هو مقيَّد مثلها بخطايا وشرور متنوعة، ليس في غياهب السجن، بل في المسيح المحرِّر الذي قال يومًا «من يُقبل إلىّ لا أخرجه خارجًا» (يوحنا6: 37). فلا تخف، لن يرفضك مريح التعابى، ربّنا يسوع المسيح، بل ثِقْ أنه لن يخذلك أبدًا إذا جئت تائبًا مسلِّمًا له كل الحياة، وشاعرًا في نفسك بالضعف وعدم القدرة على التحرر؛ فهو المحرِّر العظيم القادر وحده على فَك قيودك، مهما كانت شدّتها. ولا تنسى قول الكتاب «فإن حرّركم الابن؛ فبالحقيقة تكونون أحرارًا» (يوحنا8: 36).
صلاة: يا رب يسوع، يا من تخلِّص إلى التمام، وتحرِّر من كل خطية.. آتي إليك الآن، كما أنا، بكل قيودي وذنوبي وخطاياي.. واثقًا في حبِّك وقدرتك على التحرير.. فاغفر لي وارحمني.. آمين.