لقد أقام الله في الكنيسة أناسًا ذوي مواهب متعدّدة, والهدف منها هو بنيان المؤمنين الذين هم جسد المسيح. ومن ضمن هذه المواهب هي: التعليم والوعظ، وبالإضافة إلى ذلك هناك الإنذار.
والمعلم: هو شخص أعطاه الرب معرفة واسعة في كلمته, وقدرة على شرحها وتفصيلها حتى يستوعبها المؤمنون ويستفيدون منها.
وللتعليم أهمية عظيمة, لأنه بدونه يصبح المؤمن محمولاً بكل ريح تعليم كما هو مكتوب: «كي لا نكون فيما بعد أطفالاً مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم بحيلة الناس بمكر إلى مكيدة الضلال» (أفسس4: 14), وأتذكَّر مرات في زياراتي لأماكن مختلفة وجدت مؤمنين لكنهم كانوا يحتاجون إلى التعليم, ورأيت كيف أن عدم وجود تعليم صحيح يعطي فرصة للمضلّين أن ينشروا تعاليمهم الخبيثة والشريرة والمهلكة كشهود يهوه وغيرهم.
الواعظ: هو الذي يحرِّض المؤمنين على السلوك الصحيح والعيشة للرب في حياة القداسة العملية والطاعة له ولكلمته، وأيضًا يشجِّع المؤمنين وسط الظروف المؤلمة والصعبة.
الإنذار: إن كلمة إنذار معناها “نُصح”, والنصيحة تُقدَّم بدافع الحب؛ فالأب ينصح ابنه، والمعلّم ينصح تلميذه. وهي خدمة خاصة وموجَّهة لمن يخطئون (تيطس3: 10)، أو الذين لا يطيعون الكلمة (2تسالونيكي3: 15)، أو يحيدون عن الهدف الموضوع أمامنا، وهو تمجيد ربنا يسوع في حياتنا. وفي كلام الرسول بولس إلى مؤمني رومية قال لهم: «إنكم أنتم مشحونون صلاحًا ومملوؤن كل علم. قادرون أن ينذر بعضكم بعضًا» (رومية15: 14). فإنذار بعضنا بعضًا شيء ضروري ضد كل ما يبعدنا عن فعل مشيئته الصالحة، وأيضًا لانضباط سلوكنا.
ونلاحظ أن كل واحد من عائلة الله يحتاج إلى التعليم والإنذار من الآخر، لأننا في عالم فاسد وشرير، ونحن عابرون فيه غرباء. ونحتاج أيضًا إلى معونة وتشجيع من بعضنا البعض، ولا سيما وسط الأحزان والآلام. وهذا يأتي بنا إلى أهمية الشركة بعضنا مع بعض، والتي من خلالها نتمتع بمؤازرة إخوتنا ومساعدتهم العملية لنا.
وعندما قال بولس الرسول لمؤمني كولوسي «وأنتم بكل حكمة معلّمون ومنذرون بعضكم بعضًا»، كان قد قال قبلاً: «لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى». أي لكي نعلّم وننذر بعضنا البعض، نحتاج أولاً أن تسكن فينا كلمته بغنى, أي ليس فقط نعرفها بالعقل ونحفظها في الذاكرة، بل تستقر في داخل قلوبنا وعواطفنا ومشاعرنا, وتكون جزءًا أساسيًا من كياننا الداخلي، فتسيطر على إرادتنا وتقودنا في كل خطوة من خطواتنا؛ وعندئذ نكون قادرين على مساعدة الآخرين. وهذا يتطلب أن نقرأ الكلمة ونفهمها وندرسها ونطيعها باستمرار ونلهج فيها نهارًا وليلاً.
ويجب أن نلاحظ أن هذا التحريض «معلّمون ومنذرون بعضكم بعضًا» ينطبق علينا في علاقتنا بعضنا مع بعض دائمًا، وفي شركتنا معًا، وزياراتنا معًا، وجلساتنا معًا، وليس في اجتماعاتنا فقط لأجل العبادة.
وهذا الأمر يتطلب منا حكمة؛ فعندما أقدِّم تعليمًا أو إنذارًا بلهجة خشنة أو بكبرياء, فإني لا أربح نفسًا بل أخسرها. لذلك بالحكمة المعطاة لنا من الله، نعلم وننذر بعضنا بعضًا. ومن تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير، فسيعطى له (يعقوب1: 5).
وقد حرّض الروح القدس المؤمنين العبرانيين:«واعظين بعضنا بعضًا» (عبرانيين10: 25). وكلمة واعظين بمعنى “مشجّعين”. ففي وسط الأحزان والمصاعب والأخطار نحتاج إلى معونة إخوتنا وتشجيعهم لنا.
إن التحريض والتشجيع شيء هام لكل متسابق, فعندما يقترب المتسابق من نهاية سباق الجري, فإنه يشعر بألم في ساقيه وبجفاف في حلقه وكل مفاصل جسده تحثه على التوقف؛ وهنا تكون حاجة المتسابق إلى التشجيع حتى لا يخور ولا يقف. وعندما يُشجَّع ممن هم حوله, فإنه يتحمس ويضغط على ألمه ويكمل رحلته دون توقف. لذلك إن كلمة تشجيع واحدة في الوقت الحرج قد تكون هي الفيصل بين النجاح والفشل في السباق.
أخي.. أختي.. ليعطنا الرب أن نشبع دائمًا بكلمته، وأن تسكن في قلوبنا بغنى، حتى - بكل حكمة - نعلّم وننذر بعضنا البعض. فالبعض منا يحتاج إلى التعليم، والآخر إلى الإنذار والنصح حتى يلتصق بالرب، ومن هو متألّم يحتاج إلى كلمة تعزية، ومن هو ضعيف يحتاج إلى كلمة تشجيع. إن عناية كل واحد منا بأخيه دليل على محبتنا للرب ولبعضنا البعض. لذلك ليعطنا الرب أيضًا أن نحرِّض إخوتنا ونشجعهم ونعظهم دائمًا على الثبات في الرب بعزم القلب والالتصاق به وبكلمته مهما كانت الشدائد والمحن.