نهاية سعيدة

 

لم يَعِش في القرية، بل عاش في المدينة، كان مدلَّلاً؛ فهو الابن الوحيد لأمه الأرملة. ورغم أنه شاب، إلا أنه مات هكذا سريعًا.. لكن الشيء العجيب والمدهش أنه قبل أن يُدفَن في التراب، ويتوارى خلف القبر، ويُسدل الستار على قصّة حياته، التقى بشخص عجيب؛ حوَّل الحزن إلى فرح، واليأس إلى رجاء، والهزيمة إلى نُصرة، بل والموت إلى حياة. ولنا في معجزة إقامة شاب نايين (لوقا7: 11-16) أربعة دروس هامة هي:

1 – نايين مدينة الجمال 2- نايين ونهاية الآمال

3- نعمة لا تخطر على بال 4- الحياة الجديدة وتغيُّر الاحوال

نايين مدينة الجمال

عاش هذا الشاب في مدينة نايين التي تعني “مسرّة”. وهي رمز للعالم الذي نعيش فيه؛ إذ يحوي أشياء كثيرة جميلة ومُسِّرة، لكنه جمال زائف، مثل رسوم جميلة على حائط من الثلج. فقد نجد في نايين:

فرح ومسرة:

عبَّر عنه الحكيم بالقول: «افرح أيها الشاب في حداثتك، وليُسرّك قلبك في أيام شبابك، واسلك في طُرق قلبك وبمرأى عينيك؛ واعلم أنه على هذه الأمور كلها يأتي بك الله إلى الدينونة» ( جامعة11: 9).

مال وغنى:

حكى المسيح عن «إنسان غني أخصبَت كورته؛ ففكَّر في نفسه قائلاً: ماذا أعمل؟... وقال أعمل هذا... أهدم... أبني... أجمع... وأقول لنفسي: يا نفسي؛ لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة... فقال له الله: يا غبي!! هذه الليلة تُطلب نفسك منك، فهذه التي اعدّدتها لمن تكون؟» (لوقا12: 16-20).

فن ومرح:

يصف الحكيم غلامًا أحب العالم وشهواته بالقول: «أغوته بكثرة فنونها، بملث شفتيها طوَّحته. ذهب وراءها لوقته، كثور يذهب إلى الذبح، أو كالغبي إلى قيد القصاص، حتى يشق سهم كبده. كطير يسرع إلى الفخ، ولا يدري أنه لنفسه» (أمثال7: 21-23).

شهرة ومجد:

في تجربة المسيح الثالثة، اخرج إبليس كل ما في جعبته عندما أخذه على جبل عالٍ جدًا وأراه جميع ممالك العالم ومجدها وقال له: «أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي» (متى4: 9). وهذه سياسة إبليس حتى اليوم؛ يلهي الناس بالشهرة والمجد مقابل أن تنحني له، مثلاً يغري الشاب قائلاً له: يمكنك أن تكون نجمًا مشهورًا، أو فنانًا لامعًا، يحيط بك المعجبون والمعجبات من كل حدب وصوب، فقط “اسجد لي”، وهذا معناه إنك ستبيع المبادئ وتتنازل عن الحق وتركع للباطل وتصير عبدًا لإبليس.

نايين وغاية الآمال

ماذا أعطت نايين بجمالها ومالها، بمجدها وشهرتها، لهذا الشاب سوى الموت الزؤام، لقد خرج منها «ميت محمول» رغم أنه «ابن وحيد لأمه وهي أرملة».

ميت: وللموت ثلاث معان.

*الموت الروحي: وهو عدم وجود علاقة وشركة حقيقية مع الله مصدر الحياة (رؤيا3: 1).

*الموت الجسدي: وهو انفصال الروح عن الجسد (يوحنا11: 14).

*الموت الأبدي: وهو الطرح في بحيرة النار والكبريت إلى أبد الآبدين (رؤيا20: 14).

محمول:

عندما يولد الإنسان يُحمل على الأذرع، وهكذا عندما يموت. وما أكثر المحمولين هذه الأيام، إذ إنهم أمواتاً بالذنوب والخطايا؛ فقد نجد الإنسان:

محمولاً بالشهوة (أمثال7: 21) محمولاً بالكذب والرياء (أعمال5: 6،10)

محمولاً بالأثم (إشعياء64: 6) محمولاً بالتعليم الكاذب (أفسس4: 14)

والنتيجة الحتمية للخطية هي الموت.

وحيد:

لقد كان وحيدًا لأمه، وها هو سيُدفن وحيدًا في القبر، بل الأمر الأكثرإلاماً ورعباً، أنه سيظل وحيدًا في الأبدية.

لكن شكرًا لله؛ إذ التقي هذا الشاب الوحيد، بابن الله الوحيد! فمن كان يصدِّق أن ذلك الشاب الذي خرج من بيته محمولاً في نعشه يعود مرة أخرى إلى بيته.. ماشيًا على قدميه.. يستنشق الهواء متدفِّقًا في رئتيه.. حيًّا قويًا. وبدلاً من أن يُلقى في بطن القبر، ها هو في حضن الأم، ومن يستطيع أن يعبِّر عن ما بداخلها من مشاعر الدهشة والغبطة. لكن تزول الدهشة، ويمضي العجب، عندما تدرك أن هذا الشاب الميت المحمول الوحيد التقى بالمسيح رئيس الحياة. فالمرأة كان معها جمع كثير، وكذلك كان مع المسيح جمع كثير، لكن أي الجمعين نفعها وكفكف دموعها. فأمام الموت “ملك الأهوال” تصمت الجموع، وتكون الحاجة ماسّة وشديدة للرب يسوع. فهو الذي قال لمرثا «أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا» (يوحنا11: 25).

نعمة لا تخطر على بال

ومما يلفت النظر أن المسيح، قبل أن يُظهر قوّته وسلطانه على الموت، أظهر محبته وحنانه للأم الحزينة. لذا قال أولاً للمرأة لا تبكي، ثم تقدَّم ولمس النعش فوقف الحاملون، وقال: أيها الشاب لك أقول قم، فجلس الميت. والمسيح الآن يمكنه أن يُجري هذه الأفعال الثلاثة (تقدَّم- لمس- قال) معك أنت أيضاً، إن كنت لم تلتقِ به بعد.

الحياة الجديدة وتغيّر الأحوال

في الحال، وبناء على سلطان المسيح، «جلس الميت وابتدأ يتكلَّم، فدفعه إلى أمه» (لوقا7: 15).

  1. جلس الميت: بعد التمتع بالحياة يأتي دور الصلاة (لوقا10: 39؛ نحميا1: 4؛ أعمال9: 11).
  2. تكلّم الميت: «آمنت لذلك تكلمت» (مزمور116: 10)، وهنا دور الشهادة (2كورنثوس4: 13).
  3. دفعه إلى أمه: فبعد أن ينال الإنسان الحياة الجديدة يكون في حاجة ماسة للتغذية بكلمة الله (1بطرس2:2)، وتعلم دروس مدرسة نعمة الله (تيطس2: 12).

    ن أروع فصل في قصة شاب نايين هو فصلها الأخير، عندما تقابل مع المسيح فأقامه من الموت. فهل تريد أن تضيف هذا الفصل الهام إلى فصول قصة حياتك؟ ومن يدري كم بقي فيها من فصول؟!