يُحكى أن ضابطًا كبيرًا في جيش نابليون، كان مُكرَّسًا تكريسًا كاملاً لخدمة ذلك الإمبراطور. وذات يومٍ جُرح الضابط جُرحًا مُميتًا في ساحة الحرب. وبينما كان يحتضر في خيمته، “طلب أن يرى نابليون”، فحضر إليه سريعًا.
ظنَّ الضابط أنَّ في وسع الإمبراطور أن يُنقذ حياته، إلا أنَّ نابليون هزَّ رأسه بأسف، وأعطاه ظهره، ومضى.
ويصف شاهد عيان المشهد المأساوي بهذه الكلمات:
“إذ شعر الرجل المائت بيد الموت القاسية الباردة تجرُّه صاغرًا إلى ما وراء ستار العالم المنظور، ظلَّ يُطلق الصرخات التي تقطِّع نياط القلب، مكرِّرًا: خلِّصني، نابليون، خلِّصني! خلِّصني يا جلالة الإمبراطور! خلِّصني!”.
فعند ساعة الموت تبيَّن لهذا الضابط أنه حتى الإمبراطور نابليون لا يستطيع إنقاذه.
وبالمثل، عندما ينشد الإنسان إنقاذًا وخلاصًا من الموت الأدبي والروحي، يتبيَّن له أن القدرة على خلاصه ليست في يد أي مخلوق بشريّ؛ لا خادم، ولا واعظ، ولا كاهن، ولا حتى مجاهد من المجاهدين الأشداء في الصلاة. فلا أحد غير المسيح وحده يقدر أن يُخلِّص نفس الإنسان. ويقول الكتاب المقدس بصريح العبارة: «وليس بأحدٍ غيرِهِ الخلاَصُ. لأن ليس اسمٌ آخرُ تحت السماء، قد أُعطيَ بين الناس، به ينبغي أن نخلُصَ» (أعمال4: 12).
فهل سبق لك – عزيزي القارئ – أن طلبت إلى الرب يسوع المسيح أن يُخلِّص نفسك؟ إن كان لا، فافعل ذلك الآن! إنه دائمًا يستجيب الذين يرجون رحمته ويتوكلون عليه: فهو المخلِّص الوحيد؛ وحده دون سواه.
وما أبعد الفارق بين الذي “طلب أن يرى نابليون”، وبين الذي «طلبَ أن يرى يسوع». ففي إنجيل لوقا19: 1-10 نقرأ عن قصة "زَكَّا"، رئيس العشارين في أريحا، والذي كان غنيًّا جدًا، ولكنه شعر في قلبه بحاجته المُلِّحة إلى شيء أفضل من الذهب والمال، إذ كانت فيه رغبة وشوق إلى الخلاص، «وطلبَ أن يرى يسوع» (لوقا19: 3). ولكن عندما طلبَ أن يرى يسوع، قامت في وجهه عقبتان؛ عقبتان تُثنيان عزم الألوف من أصحاب القلوب الباردة: «ولم يقدِر مِنَ الجمعِ، لأنه كان قصيرَ القامة» (لوقا19: 3). ولكن ما أجمل أن نلاحظ “زَكَّا” وهو يتغلب على صعابه! فإن كان هناك جَمعٌ، فإنه يستطيع أن يركض ويتقدَّمه. وإن كان هو قصير القامة، فإنه يستطيع أن يتسلَّق شجرة، ويصعد إلى جُمَّيزَةٍ، ليرى يسوع! ويا له من تصرف غير عادِ، عبَّر بقوة عما يتوق إليه زَكَّا في أعماقه، تعبيرًا أبلغ من أي كلام.
لقد كان زَكَّا جادًا ومهتمًا كل الاهتمام بأمر خلاص نفسه في الحال، وهكذا يجب أن يكون كل رجل وامرأة، وشاب وفتاة. وهذا الاهتمام هو الذي جعله «يطلب» ثم «يركض» ثم «يصعد». وقد قابل اهتمامه اهتمامًا نظيره في قلب الرب يسوع المسيح «فلما جاء يسوع إلى المكان، نظر إلى فوق» (لوقا19: 5). ولماذا نظر الرب يسوع إلى فوق؟ لأن شخصًا مشتاقًا ومحتاجًا إلى الخلاص كان هناك بين أغصان الجميزة. «فرآه (يسوع)، وقال له: يا زَكَّا، أسرع وانزل، لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك» (لوقا19: 5). ويا لها من كلمات لا بد وأنها قد ملأت قلب جابي الضرائب بالدهشة! ويا له من جواب جميل! ويا لها من مكافأة حلوة! ويا لها من ساعة سعيدة حظى بها ذلك الذي «طلب... فركضَ... وصعدَ».
فزَكَّا أدلى ببصره إلى أسفل بالإيمان القلبي، والرب يسوع رفع عينيه إلى أعلى بالنعمة الغنية، فتقابلت أعينهما، وارتبط شخصاهما رباطًا لا ينفك إلى أبد الآبدين. ويا لها من نعمة غنية تقدر أن تجمع بين الخاطئ المشتاق والمخلِّص المُحبّ، فتزول كل العقبات، وتُذلّل كل الصعاب. وعندما يتلاقى الخاطئ مع المخلِّص فلا نتيجة لذلك إلا الخلاص: الخلاص الكامل المجاني، خلاص الله الذي حمله الرب يسوع إلى العالم.
وعندما وصل المُخلِّص إلى باب ذلك البيت الذي كان قبلاً بلا إله وبدون أفراح، أعلن – له كل المجد – أنه «اليوم حَصَلَ خلاصٌ لهذا البيت» (لوقا19: 9). وتَرد هذه الآية، بحسب ترجمة داربي الإنجليزية، هكذا: “اليوم حضر خلاص لهذا البيت”.
ولكن لماذا أتى الخلاص إلى هذا البيت؟ وكيف؟! لقد حضر المُخلِّص نفسه. إن الرب يسوع هو الخلاص، وقبول الرب يسوع بالإيمان هو قبول الخلاص وجميع البركات الأخرى العُظمى والثمينة التي يُعطيها الله. إنه – تبارك اسمه – لا يُرسل الخلاص مِنْ على بُعد كأنه طرد بريد، بل يحضر بنفسه كالمُخلِّص وبحضوره يحضر الخلاص. وإذ يحضر فإنه يبقى ولسان حاله: «لا أهمِلُكَ ولا أَترُكُكَ» (عبرانيين13: 5). وكأنّ الرب يقول: لقد بحثت عنكم طويلاً، وأحببتكم كثيرًا، حتى إنني لن أسمح أبدًا بأن تبعدوا عن رفقتي وعنايتي. هذا هو الخلاص المجيد والكافي اليوم، وكل يوم، بل ولكل الطريق.
«اليوم حَصَلَ (أو حضرَ) خلاصٌ لهذا البيت» (لوقا19: 9). لم يحصل زَكَّا على هذا الخلاص بناءً على توزيع نصف أمواله للمساكين أو على ردّ ما وشى به أربعة أضعاف، بل على مجيء الرب يسوع المسيح – ابن الإنسان – لكي يطلُبَ ويُخَلِّصَ ما قد هَلَكَ (لوقا19: 10). هذا هو خلاص الله الكامل، الصادر من قلبه المحب في شخص ربنا يسوع، والمُقدَّم إلى كل مَنْ يقبله.
عزيزي: هل نلت هذا الخلاص؟ أم أنت مرتاب في ذلك؟ أم لم تنله بعد؟ إننا نتوسل إليك، والله يطلب إليك أن تهتم بخلاص نفسك؛ ذلّل كل الصعاب، ولا تعطِ مجالاً للعوائق حتى تمنعك من الإتيان الآن كما أنت إلى ذلك المُخلِّص المحب الواقف في انتظارك، وهو على استعداد أن يُعطيك خلاصًا مجانيًا، كما أعطى "زَكَّا" رئيس العشارين في أريحا. فقط “أطلب أن ترى يسوع” ... “يسوع وحده”.