ليست العقارب... بل الماكينة
تضايق أحد الخدام من ساعة الحائط بالكنيسة لأنها أحيانًا كثيرة كانت تؤخِّر وأحيانًا كثيرة كانت تقدّم.. ولمّا لم يجد من يقوم بإصلاحها، اضطر أن يلصق ورقة بجوارها كتب فيها “أرجو أن لا تلوم عقاربي إذا كانت تدلّ على الوقت الخطإ؛ فالعيب ليس في عقاربي الظاهرة بل في ماكينتي الداخلية”. هل وصلت عزيزي إلى ما يعنيه ذلك؟!
إننا كثيرًا ما نظرنا إلى أفعالنا وأقوالنا الخاطئة والمخزية جدًا التي فيها نستعمل أعضائنا الخارجية؛ أعيننا أو آذاننا أو أيدينا أو أقدامنا أو شفاهنا، وأردنا أن نحسن من أنفسنا ونمتنع عن هذه الأمور المخزية. كم من مرة حاولنا إغلاق أعيننا، أو ربط أيدينا، أو تسمير أقدامنا؟! كم مرة أخذنا تعهدات على أنفسنا وكتبناها بدمائنا؟! كم مرة حاولنا استخدام قوانين البشر وتعاليمهم ومعتقداتهم؟! و كل ذلك لم يجدي نفعًا، وكأننا قمنا بطلاء عقارب ساعتنا هذه بماء الذهب. هل سينضبط عندئذ الوقت؟! هل سينصلح حالنا؟! أم أن كل هذه المحاولات لن تُجدي نفعًا، بل تركتنا يائسين محبَطين نشعر بمدى نجاستنا وتعاستنا؟!
أليس هناك من منقذ؟! أم ليس هناك علاج؟!
عزيزي إن الرب يسوع المسيح وحده الذي يعرف أن العلاج لا يبدأ بإصلاح عقارب الساعة الخارجية وطلائها بمظاهر خارجية، لكن يُصرِّح بأنه إن لم يكن الداخل أولاً نقيًا فلن يكون الخارج بأي حال من الأحوال.
لذا أدعوك أن تلتفت إلى تقرير الرب يسوع في إنجيل واحد، على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، وهو إنجيل متى؛ الإنجيل الأول الذي يضعه أمام الجموع أو أمام هؤلاء المخدوعين المغرورين المرائيين الذين عَمَتهم المظاهر الخارجية عن مدى فساد القلب في الداخل.. فماذا قال له المجد؟
- الشجرة والثمر (متى7: 16-19)
في موعظته الشهيرة على الجبل وضَّح الرب يسوع أمام كل الجموع أنه لا يمكن أن يجتنون من الشوك عنبًا أو من الحسك (شجرة شوكية عديمة النفع) تينًا. ووضح لهم أن كل شجرة جيدة تصنع أثمارًا جيدة، وأما الشجرة الردية فتصنع أثمارًا ردية. لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثمارًا ردية ولا شجرة ردية أن تصنع أثمارًا جيدة. ولذلك قال بصريح العبارة في متى12: 33 اجعلوا الشجرة جيدة وثمرها جيدًا، أو اجعلوا الشجرة ردية وثمرها رديًا. لا يصلح أن تكون لكم مظاهر تبدو أمام الناس أنها جيدة وفاحص القلوب يعرف أن داخلكم رديًا.
- الكنز الصالح والشرير (متى12: 34-36؛ 15: 1-20)
لقد بدأ الرب أقواله لهم في متى12: 34 بلُغة قوية جدًا. فإذ أنهم كالحيات التي تتلوَّن بألوان كثيرة، صرخ في وجههم قائلاً لهم «يا أولاد الأفاعي! كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات وأنتم أشرار». لذلك أوضح لهم أنه من فضلة القلب يتكلم الفم. الإنسان الصالح من الكنز الصالح من القلب (الداخل) يُخرج الصالحات، والإنسان الشرير من الكنز الشرير يُخرج الشرور. فهل هناك صالحات من إنسان قلبه شرير بهذا الشكل.
- غسل الأيدي والقلب الفاسد (متى15: 1-20)
وهنا وضّح الرب لطبقة البشر هذه، الذين يهتمون بنظافة وتحسين الخارج وهم ذوي قلوب فاسدة لا تكف عن إخراج كل الشرور التي ذِكرها أيضًا قبيح. فتكلم بكل وضوح أنه من القلب تخرج: أفكار شريرة، قتل، زنى، فسق، سرقة، شهادة زور، تجديف... يا لها من أمور مُرعبة. ألم يسمع أيوب وهو يصرخ قائلاً «ولو اغتسلت في الثلج ونظّفت يديَّ بالإشنان (الصودا الكاوية) فإنك في النقع تغمسني حتى تكرهني ثيابي» (أيوب9: 30، 31)؟! الثياب في الخارج تصرخ من عفونة ونجاسة ما في الداخل؛ فأي مادة تصلح؟ الماء أم البوتاس أم الصودا الكاوية.. أم ماء النار أم .. أم. - الكأس والصحفة (متى23: 25، 26)
لقد صرخ الرب في وجه هؤلاء العميان، أي الكتبة والفريسيين، الذين يدَّعون بأنهم مفروزين ومتميزون عن كل البشر،ولسان حال كل منهم للآخرين: «قف عندك! لا تدنُ مني لأني أقدس منك» (إشعياء65: 5)، وعيّنتهم في لوقا18: 11. ونجده يقول لهم «ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تُنقُّونَ خارج الكأس والصحفة وهما من داخلٍ مملوآن اختطافًا ودعارةً. أيها الفريسي الأعمى نقِّ أولاً داخل الكأس والصحفة لكي يكون خارجهما أيضًا نقيًا».
- القبور المبيَّضة (متى23: 27، 28)
يتابع الرب توجيه كلامه إلى الكتبة والفريسيين، ليكشف بنوره الساطع قلوبهم وحالتهم؛ فيقول لهم أيضًا «ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تشبهون قبورًا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. هكذا أنتم أيضًا من خارج تظهرون للناس أبرارًا ولكنكم من داخل مشحونون رياءً وإثمًا». نعم إن «القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس» (إرميا17: 9).