يقول موسى رجل الله: «أفنينا سنينا كقصة. أيام سنينا هي سبعون سنة، وإن كانت مع القوَّة فثمانون سنة... تُقْرَض سريعًا فنطير... إحصاء أيامنا هكذا علِّمنا فنؤتى قلب حكمة» (مز90: 9- 12). وعندما ندرك أن الحياة قصيرة، وعَجَلَة الزمن تدور بسرعة مذهلة، وأننا نقترب من الأبدية، عندئذ سنتعلَّم كيف نفتدي الوقت ونُقدِّر قيمته. هذا ما يليق بكل مؤمن، ولا سيما مَنْ يخدم الرب بأمانة. إن أغلى شيء في الحياة هو الوقت، والشخص الناضج يعرف ذلك يقينًا. فماذا أنت فاعلٌ بسني حياتك؟
هل فكَّرت مع المرنم الذي قال:
في سكون وهدوء قد سمعتُ وافتكرتُ في مصير الآثمينَ عند ذلك ارتجفتُ وصرختُ فهدوءُ الأبدية نلاشى |
|
وقْعَ أصواتٍ لأقدامِ السنين حين يقدمُ مسيحُنا الأمين كم تساوي لحظةٌ من الزمان بصراخ وبكاء الهالكين
|
وأيضًا يقول مرنم آخر:
في سكون وهدوء قد سمعتُ وافتكرتُ في مصير الآثمينَ عند ذلك ارتجفتُ وصرختُ فهدوءُ الأبدية نلاشى |
|
وقْعَ أصواتٍ لأقدامِ السنين حين يقدمُ مسيحُنا الأمين كم تساوي لحظةٌ من الزمان بصراخ وبكاء الهالكين
|
صديقي يا مَنْ تشتاق أن تكون خادمًا ناجحًا؛ إن هاتين الحقيقتين: أنك ستُعطي حسابًا عن وكالة الحياة، ومن ضمنها الوقت، وأن الأبدية رهيبة جدًا بالنسبة للهالكين الذين سيمضون إلى الجحيم بغير رجاء، وسيبكون طويلاً وبلا انقطاع؛ هذا ولا شك، سيجعلك تدرك كم تساوي لحظة من الزمان. وعندئذ ستُقيِّم الأمور بشكل مختلف.
هل نظرت إلى سنوات حياتك الماضية، وتمنيت أن يعود الزمن للوراء لتُصحِّح أمورًا ندمت أنك فعلتها وأضعتَ فيها وقتًا ثمينًا في غير مَحلِّه؟ أو لكي تفعل أمورًا لم تجد لها وقتًا كافيًا، مع أنك اقتنعت بأهميتها؟ إنها أمنيات طيبة ولكنها لن تتحقق. فهل تعود عقارب الساعة إلى الوراء؟ كلا بالأسف! إن الوقت الذي خسرته قد خسرته للأبد، والذي ربحته فقد ربحته للأبد. واليوم هو أول أيام حياتك الباقية، فالماضي لن يعود. لكن هذا اليوم أيضًا قد يكون هو آخر يوم في رحلة الحياة هنا على الأرض. إن مجيء الرب قد اقترب، وفي أي لحظة سيأتي المسيح لاختطاف المؤمنين، وسيُغلَق الباب أمام كل المسيحيين بالاسم. لذلك علينا أن نعمل بكل نشاط واجتهاد، ونُنذر الشرير ونُحذِّره من يوم الدينونة العصيب، قبل أن يمضي النهار وقبل أن تغيب شمس النعمة. قال الرب يسوع: «ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهارٌ. يأتي ليلٌ حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل» (يوحنا9: 4).
إن الفُرص تأتينا مرَّة واحدة ثم تمضي. وهناك أشياء نستطيع أن نعملها فقط في وقتها ومناسبتها، وإلا فلن تُعْمل للأبد. وهناك كلمات يُمكن أن تُقال فقط في أوانها ومكانها، وإذا لم يحدث فلن تُقال للأبد.
لقد عاتب الرب تلاميذه في الليلة الأخيرة قبل الصليب قائلاً: «أَمَا قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة؟». ويا لها من كلمات تفحص أعماقنا. فهل نُقدِّر قيمة الخلوة مع الرب؟ وهل هناك وقت ثابت نقضيه مع الكتاب كل يوم في أفضل ساعات التركيز؟ إنه من المؤسف أن نرى شبابًا عندهم وقت لكل شيء آخر ما عدا أمور الرب. إنهم يقضون الساعات الطويلة أمام الكومبيوتر لمجرد اللهو والتسلية والتصفُّح لشبكة المعلومات أو الدردشة، لكنهم لا يقدرون أن يسهروا مع الرب ساعة واحدة. فهل هذه أمانة في الوكالة؟ وكيف نتطلَّع إلى خدمة ناجحة ونحن نُهدر الوقت في أشياء تهدم ولا تبني. باقي من الزمن ساعة واحدة. هكذا قال بولس للمؤمنين في رومية. وأيضًا «الوقت منذ الآن مُقصَّر» هكذا قال للمؤمنين في كورنثوس. وطالما ذلك كذلك «أهو وقت...؟» للاهتمامات العالمية، كما قال أليشع لجيحزي. كلا. «إنه وقتٌ لطلب الرب» (هوشع10: 12)، «إنه وقتُ عملٍ للرب» (مزمور119: 126)، إنه وقتٌ لانتظار الرب والاستعداد لمجيئه (رومية13: 11).
ليتنا نتمثَّل بالخادم الكامل، شخص ربنا يسوع المسيح، الذي لم يكن يضيع وقتًا على الإطلاق. وقد ذُكر عنه كلمة «وللوقت» أي: “وفي الحال” 42 مرة في إنجيل مرقس الذي يكلِّمنا عنه كالخادم الفريد. لم يكن عنده وقت للراحة، فكان يعمل في السبوت، وشعاره: «أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل». ووسط زحام الخدمة لم يكن عنده وقت للأكل أو للنوم. لقد استطاع أن يقول: «أفنيت قدرتي». كانت مدة خدمته قصيرة لم تتعدَّ ثلاث سنين ونصف لكنها كانت مشحونة بالخدمة المركَّزة والأعمال الجليلة التي لو كُتِبَتْ واحدة فواحدة فإن العالم لا يسع الكتب المكتوبة.