روى أحد خدام الرب هذه الواقعة، فقال:
أحسست مرة بألم شديد في أسناني؛ فذهبت إلى عيادة طبيب أسنان. وبالرغم من عدم وجود علاقة تربطني بـهذا الطبيب من قبل، فقد ذهبت إليه على الفور، لأنه كان ذا شهرة واسعة ومهارة فائقة. وعندما حان دوري دخلت إليه وقلت له: إني في حاجة ماسة إلى معونتك، وقد بلغني أنك ماهرٌ جدًا في مهنتك. فشكرني على مديحي له، ودعاني للجلوس على كرسي العلاج، فجلست، وبدأ يفحص أسناني.
وعندما حانت لي فرصة، قلت له: إنني أعلم أنك لست مثل الله!!
نظر إليَّ بدهشة، ثم ابتسم وقال لي: طبعًا؛ هذا شيء طبيعي أنني لست مثل الله، وما أنا بقديس أو رسول أو نبي، ولست أيضًا بملاك، وكل ما أستطيع أن أقوله عن نفسي: إنني أبذل كل ما لديَّ من جهد، في تقديم أحسن خدمة ممكنة لمرضاي، حتى أكون أمينًا في عملي.. ولكن ماذا يدور بفكرك من جهتي؟!
فأجبته: إنني قرأت، من عهد قريب، في مزمور3: 7، أن الله يُهشِّم أسنان الأشرار. فهل أنت تُهشِّم أسنانهم مثله؟ طبعًا لا. وهذا ما كنت أقصده عندما قلت أنك لا تُشبه الله.
فانفرجت أسارير وجهه لهذه العبارة، وقال لي: إنه لم يرَ هذه الآية في الكتاب المقدس من قبل، ومع ذلك فإنه لم يُحاول قَطّ أن يُهشِّم أسنان إنسان ما.
وبعدما قام بعمله خير قيام، طلب مني أن أعود إليه بعد أسبوع ليستأنف علاجه لي. وفي اليوم المحدَّد ذهبت إلى عيادته، وبعد أن حيّا كل منا صاحبه تحية حارة، بدأ في عمله. وعندما حانت لي فرصة للكلام، قلت له: لقد وجدت أمرًا آخر لا تُشبه الله فيه.
فرفع رأسه، وابتسامة جادة تعلو وجهه، وقال لي: يا أخي، ما شأنك بي؟! لقد جعلتني أفكر طوال الأسبوع الماضي في حديثك معي، فوجدت في نفسي أمورًا كثيرة لا أُشبه الله فيها، فماذا يدور بفكرك الآن من نحوي؟
فأجبته: لقد قرأت أيضًا في سفر عاموس4: 6 أن الله أعطى إسرائيل نظافة الأسنان بواسطة حرمانهم من الطعام، أما أنت فتستعمل آلة لتنظيف الأسنان، ولذلك فأنت لست مثل الله من هذه الناحية أيضًا.
لمعت عينا الطبيب، وبدت ملامح الجدية والاهتمام تتجمع في وجهه، وتوقف الحديث بيننا برهة من الزمن، لأنه كان يقوم بعمل شاق في فمي، ولكن لم يكَد ينتهي منه حتى بادرني هو بالقول: لقد ظللت أفكر طوال الأسبوع الماضي في الأمور التي أختلف فيها عن الله، وقد عادت إلى ذاكرتي خطاياي وشروري التي نسيتها من زمن طويل، فسبَّبت لي الكثير من الألم والحزن. حقًا إني لم أكن أعرف ذاتي من قبل، ولكنني أرى الآن أنه لا بد من عمل لأجل نفسي، حتى أكون كما يريد الله مني أن أكون. وفي الحقيقة أنني، عندما عدت إلى منزلي، قرأت مزمور3: 7 «قُم يا رب! خلصني يا إلـهي! لأنك ضربت كل أعدائي على الفكّ. هشَّمت أسنان الأشرار»، ولقد ارتعبت من تصوير الكتاب المقدس للأشرار باعتبارهم وحوش مفترسة، وسيأتي يوم يوجِّه الرب فيه إليهم الضربة القاضية التي تُصمتهم إلى الأبد، وتُفقدهم كل قوة لها لتؤذي. وسيضربـهم الرب على عظمة الفكّ الناطق بالتجاديف؛ الفكّ الذي سَنَّ أسنانه ليلتهم شعب الله.
وتوقّف الطبيب عن الكلام لبرهة.. ثم استطرد قائلاً: “الفكّ المُهشَّم الأسنان!! لقد ارتعبت من هذا المنظر في الحقيقة”.
فكانت إجابته هذه دعوة صريحة من الله لأخبره عما زخَّره الله من علاج لنفوسنا. واقتبست له من الكتاب المقدس قول الوحي: «دم يسوع المسيح ابنه يُطهرُنا من كل خطية» (1يوحنا1: 7). وبيّنت له أن الخلاص ليس أمرًا متعذِّرًا، لكنه ميسورًا لكل من يرغب فيه. قد يكون الراغب في خلاص نفسه هو من أشرّ الناس، لكن «قد ظهرت نعمة الله المُخَلِّصة لجميع الناس» (تيطس2: 11)، و«هوذا الآن يوم خلاص» (2كورنثوس6: 2)؛ فإنَّ كل إنسان يستطيع أن يحصل على الخلاص الآن، فيسمع قول الرب «اليوم حصل خلاص لهذا البيت» (لوقا19: 9). وبما أن حقيقة الأمر هكذا؛ أي أن الخلاص مجاني وكامل ومضمون، ويمكن لأي إنسان أن يناله اليوم؛ فلماذا تؤجِّله للغد؟! وهل الغد مِلكٌ لك؟! ألا يمكن أن يجيء الغد ولا تكون أنت موجودًا فيه؟ فماذا تعمل في هذه الحالة وأنت بين يدي الله، ولا مَردّ لقضائه؟ إن الذي لا يُلبي دعوة الرب إليه في قوله: «تعالوا إليَّ ياجميع المُتعَبين والثقيلي الأحمال وأنا أُريحكم» (متى11: 28)،
لا بد وأن يسمع طرد الرب له في قوله: «اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المُعدَّة لإبليس وملائكته» (متى25: 41).
إنك مُتعَبٌ وثقيلُ الحملِ، ولا شك أنك في حاجة إلى الراحة؛ فلماذا لا تأتي الآن للرب يسوع الذي جاء من السماء لأجلك خصيِّصًا، وكفَّر عنك على الصليب ليُريحك؟! إن الله في محبته لك، بذل ابنه الوحيد، لتؤمن به أنت مبذولاً عنك، فلا تهلك، بل تكون لك الحياة الأبدية، فإن كانت كُلفة الخلاص كلها تكلّفها المُخلِّص، فما عليك أنت إلا قبول خلاصه. فلماذا تتوانى؟! ولِمَ تتصلَّب؟!
عزيزي: لقد تقابل طبيب الأسنان مع المسيح بالإيمان في هذه الليلة، ومن ثم حصل على السلام الذي يفوق كل عقل، فضلاً عن ذلك فقد أصبح واحدًا من الذين يسيرون وراء الرب يسوع المسيح، وينادون بإنجيله في كل حين، وأخذ يحمل رسالة المسيح إلى كل المرضى الذين يأتون إليه للعلاج؛ فكانوا يخرجون من عنده وقد تمتّعوا بالشفاء الجسدي وبالحياة الأبدية أيضًا.
وكما حصل هذا الطبيب على الحياة الأبدية، يمكن الآن لك - أيها القارىء العزيز - أن تتمتع بالخلاص إذا تقابلت مع المسيح، وسلَّمت حياتك له، فلا تعود تخاف من الذي سوف يضرب أعدائه على الفكّ، ويُهشّم أسنانهم.