بيني وبينك

* أين كنت يا صديقي كل هذا الغياب؟ لقد اشتقت إلى رؤياك.

هكذا بدأ الشيخ الحديث مع صديقه الشاب العزيز على قلبه.

-بل أنا بالحري اشتقت أكثر إليك وإلى أحاديثك ونُصحك.

*طمئنني على أخبارك.

-أشكر الله كثيرًا، لقد تقدّمت أموري جدًا، والحقيقة أني استفدت كثيرًا من حديثنا السابق بصفة خاصة، ومن وقتها ما زلت أحاول، كتطبيق له، أن أتعلم الاجتهاد في أموري الروحية.

*يسعدني كثيرًا أنك تحذَّرت من الكسل واستفدت من حديث المرة الفائتة، على أني أرجو ألا تكون قد نسيت، بسبب مرور الوقت، أحاديثنا الأسبق عن مغريات العالم وأثرها في الفتور الروحي.

-بالطبع لم أنسَ، بل إنني أود أيضًا إن أزدتني مما عندك عن أسباب الفتور الروحي.

*دعني أعبِّر أولاً عن شكري للرب من أجل اهتمامك الحثيث بعلاقتك بالرب، فهذه هي البداية الصحيحة التي تضمن حياة صحيحة على الدوام.

-اشكرك! وانتظر المزيد من النصح.

*دعني للتوضيح أشبِّه الصحة الروحية بالصحة الجسمانية. فأنت عندما تكون في صحة، تكون منطلقًا، تشعر بالنشاط، وتؤدّي مهامك، كما وتتعذى بشهية.

-صحيح!

*ولكن إذا جاءك أحد مسببات المرض، فيروس أو ميكروب أو أي سبب آخر، ستجد الحال وقد تبدَّل، ستشعر بالتعب سريعًا ولن يمكنك أن تفعل كل ما تريد، وستفقد شهيتك أيضًا.

-إذًا، فأنت تريد أن تشبّه الفتور الروحي بالمرض الجسدي.

*نعم.

-وما هو الميكروب أو الفيروس الروحي.

*هو، بمنتهى البساطة، الخطية غير المُعترَفِ بها.

-وضِّح لي أكثر.

*أنت تعلم يا عزيزي أن الشركة مع الله، الوجود في محضره، فهم ما يريد أن يقوله من المكتوب، وأن تفتح قلبك أمامه بالصلاة؛ هذا ما يؤدّي إلى حياة روحية صحيحة.

-أوافقك.

*ولأن الله قدّوس فلا يمكن أن يكون في شركة مع الخطية (1يوحنا1: 6).

-كلام منطقي.

*وهكذا فإن الخطية كفيلة أن تقطع الشركة بيني وبين الله، فتؤدي إلى حالة الفتور الروحي.

-وهل تعتقد أن هناك مؤمن يمكن أن يحفظ نفسه فلا يسقط في أي خطية؟!

*لاحظ أنني قُلت: ”الخطية غير المعترف بها“.

-لا أفهم ما تعني.

*إن المشكلة ليست في أن أزلّ في خطية، فالمسيح الشفيع والراعي كفيل بأن يسوّيها وأن يرد نفسي. لكن المشكلة في السكوت على الخطية. مرة أخطأ داود، وسَكتَ على خطئه، واسمع ماذا قال وقتها كما نقرأه في مزمور32 «لما سكت (على الخطية) بَليت (نشفت) عظامي (أي بلغتنا فتُرَت حالته) من زفيري (علامة الحزن والاكتئاب) اليوم كله». لكنه لما اتخذ الاتجاه الصحيح «اعترف لك بخطيتي ولا أكتم إثمي. قُلتُ: أعترف للرب بذنبي، وأنت رفعت آثام خطيتي»، نراه سريعًا يتحول إلى حاله الأصلي من الفرح والسرور بل ويناشد الجميع أن يفرحوا معه «افرحوا بالرب وابتهجوا يا أيها الصدّيقون واهتفوا يا جميع المستقيمي القلوب».

 

-إني بالفعل أتذكر قصة داود هذه وتبعاتها.

*واسمعه أيضًا يناجي الرب في مزمور51 «رُدَّ لي بهجة خلاصك»؛ فلقد فقد حلاوة العيشة معه. لكن إذ يعترف بذنبه ويطلب من الرب قلبًا نقيًا، فإن الرب يقوده إلى أن يقول «فعلِّم الأثَـمة طرقك... يا رب افتح شفتيّ فيخبر فمي بتسبيحك»؛ أي إنه عاد يرنّم ويخبِر عن الرب. لقد تعلم هذه الحقيقة «إن راعيت إثمًا في قلبي لا يستمع لي الرب» (مزمور66: 18).

-واضح جدًا أن الخطية سبب قوي للضعف الروحي.

*لذا فمن الأفضل أن نتحفَّظ لطرقنا حتى لا نخطئ، حتى لا نفقد بهجة الخلاص أو تتحول رطوبتنا إلى يبوسة القيظ (الحر الشديد).

-وكذلك عليَّ أن أفحص نفسي لأعرف أن كنت قد فعلت خطية، أو ما زلت أفعلها، وهذه الخطية لا بد أن تعوقني عن الفرح بالرب والانطلاق الروحي.

*وساعتها اعترف بهذه الخطية فورًا، بتوبة حقيقية، ورغبة صادقة في عدم العودة لها. وستتمتع عندئذ بقيمة القول «إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهِّرنا من كل إثم» (1يوحنا1: 9). وستسترد فرحتك بالرب ووضعك الروحي السليم.

-أعتقد أن هذا هو الطريق الوحيد للعودة.

*لكني أيضًا أحذّرك من شيء.

-ما هو!!

*في بعض الأحيان نسهو وننسى خطية فعلناها، أو ربما نفعلها دون أن ندري، كما يقول داود أيضًا: «السهوات من يشعر بها. من الخطايا المستترة أبرئني» (مزمور19: 12).

-يا له من وضع صعب!! بالتأكيد أن مثل هذه الخطايا ليس بالقليل! وهل هذه أيضًا تعوق الشركة؟!

*نعم بالتأكيد، فلا تنس أن الله قدوس كما قلنا.

-وماذا أفعل إزاء هذا الأمر؟!

*لتكن صلاتك كصلاة داود كذلك: «اختبرني يالله، واعرف قلبي. امتحني، واعرف افكاري. وانظر إن كان فيَّ طريق باطل، واهدني طريقًا أبديًا» (مزمور139: 23، 24).