سنتحرك الآن من برية سيناء إلى برية فاران. فبعد أن رأينا منظر حلول الشعب حول خيمة الاجتماع. سنرى الآن منظرًا عجيبـًا آخر وهو ترحال الشعب مع خيمة الاجتماع. ولكن كيف لشعب يزيد تعداده عن 2 مليون أن يسير وسط صحراء جرداء لم يعبروها من قبل، بلا مرشد خبير بدروب الصحراء أو بوصلة تحدِّد لهم الإتجاهات؟! هنا نرى الرب يقود ويرشد هذا الشعب كما ترنموا له قبلاً «ترشد برأفتك الشعب الذي فديته تهديه بقوتك إلى مسكن قدسك» (خروج15: 13).
الأحمال والترحال (إقرأ سفر العدد ص10،4،3)
الأحمال:
تعيَّن سبط لاوي لخدمة الخيمة. فكان من بني لاوي: عشائر جرشون، وقهات، ومراري، وعددهم 8580 لحمل خيمة الاجتماع في الترحال كالآتي: بنو جرشون (وعددهم 2630): لحمل الشُقَق والأغطية والأستار. بنو مراري (وعددهم 3200): لحمل الألواح والأعمدة والقواعد. بنو قهات (وعددهم 2750): لحمل التابوت، والمائدة، والمنارة، ومذبح الذهب، وأوانيها.
وإن تأملنا في الأحمال نجد أن بنو مراري هم أصحاب الحمل الأثقل، لكن هل تركهم الرب بدون موأزرة ومساعدة؟ لقد قدَّم رؤساء الأسباط ست عجلات وإثني عشر ثورًا؛ فكان لبني مراري أربع عجلات وثمانية ثيران، وبنو جرشون عجلتان وأربعة ثيران.
أقوال وراء الأحمال: لم يفتخر بنو قهات، حاملي الأقداس الذهبية، على إخوتهم حاملي الجلود والألواح الخشبية. ولم يئن أو يتذمر بنو مراري من حملهم الثقيل، أو يحسدوا إخوتهم حاملي الأقداس. لأن كل واحد ارتضى بمكانه المعيَّن من الرب. كقول الكتاب «فإنه كما في جسدٍ واحدٍ لنا أعضاءٌ كثيرةٌ ولكن ليس جميع الأعضاء لها عملٌ واحدٌ» (رومية12: 4). فعلينا أن ينظر كل واحد إلى الخدمة التي قبلها في الرب لكي يتمِّمها (كولوسي4: 17). وهنا تأتي العجلات التي تساعدنا على القيام، كل واحد، بخدمته.
الترحال:
في العشرين من الشهر الثاني من السنة الثانية ارتحل بنو إسرائيل من سيناء إلى برية فاران. وهنا كانت البداية الحقيقية لرحلة البرية. لكن كيف كان التحرك والارشاد؟
كيفية التحرك: كان هارون وبنوه يغطّون التابوت بالحجاب، ويغطون المائدة ومذبح الذهب والمنارة ومذبح النحاس بغطاء إسمانجوني أو أرجواني أو من جلود تخس، ويأتي بنو قهات لحملها. ثم الجرشونيون يحملون الشُقق والأغطية والأستار. ثم بنو مراري يحملون الألواح والأعمدة والقواعد. وهنا ترتفع السحابة إيذانا ببدء التحرك، ثم تضرب الأبواق فتتحرك راية محلة يهوذا ثم بنو جرشون وبنو مراري. ثم راية محلة رأوبين. ثم بنو قهات. ثم راية محلة إفرايم وأخيرًا راية محلة دان. وعندما تقف السحابة كان بنو جرشون وبنو مراري ينصبون خيمة الاجتماع لحين وصول بنو قهات فيضعون الأقداس في مكانها.
الإرشاد في الطريق: كان بواسطة ثلاثة أشياء رافقت الشعب كل الرحلة وهي: التابوت.. السحابة.. الأبواق
التابوت: «فارتحلوا من جبل الرب مسيرة ثلاثة أيام، وتابوت عهد الرب راحل أمامهم مسيرة ثلاثة أيام، ليلتمس لهم منزلاً» (عدد10: 33). وهو يمثِّل حضور الرب وسط شعبه، كقائد المسيرة عند الترحال، فهو قال «وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر» (متى28: 20). وإن كنّا لم نعبر هذا الطريق من قبل. لكن الرب يسوع الذي هو الطريق والحق والحياة قال أيضًا «أعلِّمك وأرشدك الطريق التي تسلكها أنصحك عيني عليك» (مزمور32: 8)
.
السحابة: في يوم إقامة المسكن في أول الشهر الأول من السنة الثانية غطّت السحابة المسكن (خروج34؛ 40: 17). ثم بعد خمسين يومًا إرتفعت السحابة عن المسكن، فبدأت الرحلة (عدد10: 11). ألا يذكرنا هذا بحلول الروح القدس على التلاميذ، بعد قيامة الرب يسوع بخمسين يومًا، وهكذا بدأت خدمتهم ورحلتهم، وصار هذا العالم - لهم ولنا - برية؟! «هكذا كان دائمًا: السحابة تغطيه، ومنظر النار ليلاً. ومتى ارتفعت السحابة عن الخيمة، كان بعد ذلك بنو إسرائيل يرتحلون. وفي المكان حيث حلّت السحابة، هناك كان بنو إسرائيل ينزلون. حسب قول الرب كان بنو إسرائيل يرتحلون وحسب قول الرب كانوا ينزلون» (عدد9: 16-18). ومن رومية8: 14 نقرأ «لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله». فيجب على المؤمنين أن يتركوا قيادة سفينة حياتهم الشخصية والجماعية، الروحية والزمنية، لشخص الروح القدس الساكن فينا، وهذا يتم عندما لا نُطفئه أو نحزنه. ولنتخيل الأخطار والعواقب التي يمكن أن تصيب الشعب إذا تحرَّك والسحابة واقفة، أو إذا انتظر مكانه عند تحركها. بالتأكيد سيتحوَّل نهاره لشمس محرقة، وليله لظلمة دامسة.
الأبواق: كما رأينا في التابوت شخص الرب، وفي السحابة روح الرب، نرى في البوقين من فضة كلمة الرب «كلام الرب كلام نقي كفضة مصفَّاة» (مزمور12: 6). وكانت تُستخدم في مناسبتين للضرب، وهما: الاجتماع، والأفراح. ومناسبتين للهتاف، وهما: الارتحال والحرب (عدد10: 1-10)
وكلمة الرب تُعلِّمنا: عن الاجتماع: «غير تاركين اجتماعنا كما لقوم عادة» (عبرانيين10: 25). وعن الأفراح: «افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضًا أفرحوا» (فيلبي4:4). وعن الارتحال: «عابرين في وادي البكاء يصيّرونه ينبوعًا» (مزمور84: 6)، وأيضًا «سيروا زمان غربتكم بخوف» (1بطرس1: 17). وعن الحرب: «فإن مصارعتنا... مع أجناد الشرّ الروحية في السماويات» (أفسس6: 12).
وقريبًا سينتهي كل هذا بانتهاء رحلتنا، عندما نسمع هتاف الرب نفسه، وصوت بوق الله، ونُخطَف لملاقاة الرب في الهواء (1تسالونيكي4: 16-17).
أقوال أثناء الترحال: إننا راحلون لوطننا السماوي. فليتنا نسلِّم قيادة مسيرتنا وسفينة حياتنا للرب يسوع وحدة، ونقول له «أتبعك يا سيد». ولنعطِ الروح القدس مجاله في حياتنا واجتماعاتنا. ولتكن كلمة الله هي دستور حياتنا. ولا ننسى أن نقول للآخرين ما قاله موسى لحوباب «إذهب معنا».