بعليس صورة لإبليس

“بعليس” هو ملك بني عمون، وجاء ذكره مرة واحدة في إرميا40: 14. ونستطيع أن نكتشف نوايا هذا الشخص الشرير فـي من أرسله وماذا فعل؟ فنجد أربعة أمور رديئة، فيها نجد صورة لإبليس.

وبعليس اسم عمّوني معناه “ابن السرور”. وإبليس يَعِد النفوس بالسرور، ولكن في النهاية يذهب بها إلى الهلاك الأبدي. هذا ما فعله مع بيلشاصر الملك إذ أعطاه سرورًا وقتيًا بوليمة عظيمة، حيث أكل وشرب خمرًا قدام عظمائه الألف، ثم أغراه بإحضار آنية بيت الله ليشرب فيها، وهو لا يعلم أن نهايته قد جاءت، ففي تلك الليلة قُتل (دانيآل5).

وقصة بعليس نجدها في نبوة إرميا40، 41 إذ عندما حدث السبي البابلي لمملكة يهوذا على يد نبوخذنصر ملك بابل، ترك في أرض يهوذا بعضًا من فقراء الشعب الذين لم يكن لهم شيء، وأعطاهم كرومًا وحقولاً، ثم أقام جدليا بن أخيقام على الأرض ووكَّله على الرجال والنساء والأطفال وعلى فقراء الأرض الذين لم يُسبوا إلى بابل.

فإذا ببعليس ملك بني عمون يرسل “إسماعيل بن نثنيا” ومعه عشرة رجال، إلى جدليا في المصفاة وأكلوا هناك خبزًا معًا، ثم قام إسماعيل بن نثنيا والعشرة الرجال الذين كانوا معه، وضربوا جدليا بالسيف فقتلوه، وكل اليهود الذين كانوا معه في المصفاة، والكلدانيون الذين وُجدوا هناك، ورجال الحرب؛ ضربهم إسماعيل.

وهنا نرى أن إسماعيل المرسل من بعليس اتصف بالصفات التالية:

أولاً: الخداع والمكر والكذب. فعندما ذهب إلى جدليا، رحب بهم «لا تخافوا... اسكنوا في الأرض». ثم أكلوا خبزًا معًا، كإعلان عن المودّة والصداقة. ولكن فجأة تحول إسماعيل بن نثنيا إلى أسد زائر؛ فقام على جدليا وقتله. وفي هذا هو صورة لإبليس المخادع والماكر والكذاب وأبو الكذاب ولا عجب. فالشيطان نفسه يغيّر شكله إلى شبه ملاك نور وخدامه أيضًا يغيرون شكلهم كخدام للبر (2كورنثوس11: 14).

وقد حذّرنا الرب من: «الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة» (متى7: 15). ويقول الحكيم عـن الشريـر: «إن حسَّن صوتـه فلا تأتمنه، لأن فـي قلـبه سبـع رجاسات» (أمثال26: 25). فلنحذر ممن يرسلهم إبليس - الحية القديمة - التي خدعت حواء بمكرها.

ثانيًا: الشراسة والقسوة. فلقـد قتل جدليا واليهود الذين كانوا معه والكلدانيين الذين وجدوا هناك ورجال الحرب، وهذا ليس بغريب لأن إبليس قتالٌ للناس من البدء (يوحنا8: 44). فكل طرق القتل المختلفة مصدرها إبليس، ومن ضمن اسماءه أبوليون أي المهلك (رؤيا9: 11). وكل أولاد إبليس «أرجلهم سريعة إلى سفك الدم» (رومية3: 15).

ثالثًا: العداء الشديد لكل من يتبع الرب ويعبده. ففي اليوم الثاني بعد قتله جدليا، ولم يكن أحد قد عرف بعد، جاء ثمانون رجلاً بيدهم تقدمة ليدخلوها إلى بيت الرب. فخرج إسماعيل للقائهم من المصفاة سائرًا وباكيًا، متظاهرًا بحزنه على خراب الأرض. ثم قال لهم «هلم إلى جدليا بن أخيقام». فلما أتوا إلى وسط المدينة قتل منهم سبعين رجلاً وألقاهم إلى وسط الجب. ولماذا قتلهم؟ السبب واضح أنه مُرسل من بعليس، الذي هو عدو للرب، وبالتالي عدو لكل من يتبع الرب ويعبده. قال الرب للتلاميذ: «إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكم... إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم» (يوحنا15: 18-20). وهذا ما نجده على مر العصور والأجيال إذ يهيّج إبليس الأشرار على أولاد الله.

رابعًا: الرغبة في السيطرة وإذلال النفوس. لقد سبي كل بقية الشعب الذين في المصفاة مع بنات الملك وذهب ليعبر إلى بني عمون أي ليخضعهم لسيطرة بعليس.

وهـذا ما يفعله إبليس مع النفوس البعيدة عن المسيح، فيستعبدها ويذلّها ويمرِّر حياتها بعبودية قاسية. لقد ربط امرأة بقيود الضعف 18سنة فجعلها منحنية ولم تقدر أن تنتصب البتة (لوقا13)، وأصاب الغلام بالصرع وكثيرًا ما ألقاه في النار وفي الماء ليهلكه (مرقس9)، هذا هو إبليس الصياد الذي يقتنص النفوس ويذلّها (مزمور91: 3).

لكن في هذا المشهد المؤسف والمؤلم (كذب وخداع ثم قتل وموت ثم عداء لكل من يتبع الرب ثم سبي وعبودية) يظهر “يوحانان بن قاريح”، الذي معنى اسمه “يهوه حنَّان”. وعندما سمع بكل الشر الذي فعله إسماعيل بن نثنيا المُرسَل من بعليس، امتلأ غيرة، وكان رجلاً شجاعًا، فأخذ كل الرجال وساروا ليحاربوا إسماعيل بن نثنيا ليخلِّص كل الشعب من يده. وفي هذا نجد أن يوحانان يشير، ولو بصورة باهتة، إلى الرب يسوع المسيح الـذي جـاء لكـي يحـرِّرنا ويفدينا «كنا مستعبدين... ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه» (غلاطية4: 3، 4)، «وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم» (متى1: 21).

لقد ذهب يوحانان بن قاريح ليحارب إسماعيل بن نثنيا، فوجده عند المياه الكثيرة التي في جبعون، والمياه إشارة إلى كلمة الله التي استخدمها الرب يسوع في النصرة على إبليس عندما جاء ليجربه؛ إذ كرَّر القول: «مكتوب». فتركه إبليس إلـى حين (متى4: 10؛ لوقا4: 13). ولقد هرب إسماعيل بن نثنيا بثمانية رجال من وجه يوحانان وسار إلى بني عمون؛ أما المسيح - له المجد - فلقد سحق رأس الحية في الصليب (عبرانيين2: 14، 15)، والله في صليب المسيح «جرّد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه» (كولوسي2: 15).

أخي.. أختي.. إن ما فعله إسماعيل بن نثنيا يعبِّر عن مبادئ بعليس الذي أرسله، وهكذا أولاد إبليس يُظهرون صفات إبليس الشرير.

وإن كان إبليس هو الكذاب وأبو الكذاب، لكن المسيح - له المجد - هو الشاهد الأمين والصادق (رؤيا1: 5؛ 3: 14).

إبليس قتّال للنفوس ، لكن الرب يسوع المسيح هو الذي قال: «أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل» (يوحنا10: 10)، وهو مصدر الحياة (يوحنا1: 4)، ومن يمتلكه بالإيمان يمتلك الحياة الأبدية (1يوحنا5: 12).

إبليس خصم وعدو لكل أولاد الله ويحاربهم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو، لكن شكرًا للرب يسوع الذي يقف بجوارنا ويحامي عنا كوعده: «وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر» (متى28: 20)، وهو المسؤول عن خرافه فـ  «لن تهلك إلى الأبد» (يوحنا10: 28).

إبليس يريد أن يستعبد ويذل، لكن المسيح هو المحرر الوحيد (يوحنا8: 36)، وكل مؤمن تحرَّر من قبضة هذا العدو يستطيع أن يهتف: «انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر ونحن انفلتنا» (مزمور124: 7).

فمع أي الاثنين تريد أن تذهب؟ هل مع بعليس الذي هو صورة لإبليس المهلك؟ أم مع الرب يسوع المحرِّر ومعطي الحياة الأبدية؟

صلاة:

يا من انتصرت على إبليس. خلصني من الماضي التعيس. وطهر قلبي النجيس. واجعلني فيك قديس. فأنا بدمك أنال الخلاص والتقديس. وتصبح أنت أغلى من كل كنز نفيس. آمين