كان الشابّ العريس “چوزيف شرفن” Joseph Scriven الذي وُلد في “كونتي داون” بإيرلندا، سنة 1820، واقفًا أمام باب الكنيسة، وبينما الكلّ يحتفل بعيد الميلاد ومن حولهم الأضواء والزينات والألعاب والأشجار الخاصة بالكريسماس؛ كان چوزيف ينتظر عروسه وهو غارق في الأفراح التي اختلطت باقتراب تحقيق الأحلام وليالي الملاح؛ الأحلام الوردية السعيدة التي طالما حلم بها، وها أخيرًا قد جاء الميعاد، فبعد دقائق قليلة ستقابله عروسه، حبيبته، التي أحبها بصدق ومن كل قلبه، ستأتي هنا في هذا المكان، وسيعطيها الزهور التي اختارها بعناية لهذا اليوم بالذات، وسيبقيا معًا حتى الغد لتجهيز ما بقي من متطلبات، استعدادًا للزفاف السعيد في الغد في هذه الكنيسة.
تأخرت العروس عن ميعادها، وهذه لم تكن عادتها، وبينما كان چوزيف في قمة الشوق والانتظار لحبيبته، جاء بدلاً منها من أخبره بالخبر المشئوم: أن خطيبته غرقت في البحر في حادث رهيب. كانت صدمة عنيفة جدًا، زاد من هولها أنه، وفي الكنيسة ذاتها التي كان سيُعقَد فيها حفل الزفاف، وفي الميعاد نفسه، أُقيمَت فيها جنازة خطيبته وفتاة أحلامه!
كان من الطبيعي أن يغرق شرفن في الحزن الشديد، لهذا قرَّر الهجرة إلى كندا واستقر في “بورت هوب” في ولاية “أونتاريو”. وهناك بحث عن صديق يحكي له أحزانه وآلامه ليشاركه بما يشعر به، فلم يجد؛ إلى أن أخذ القرار الذي لم يندم عليه طوال حياته: لقد التجأ چوزيف شرفن إلى الصديق السماوي؛ الرب يسوع المسيح، الوحيد الذي يقدر أن يشاركه شجونه وأحاسيسه، ويشعر به، بل ويعينه للخروج من الاكتئاب الذي كان دائمًا ما يطارده حينما كانت صورة خطيبته التي غرقت لا تفارق مخيلته.
نعم، عرف چوزيف شرفن أن الصديق السماوي، الرب يسوع، هو وحده الذي قهر الموت ولن يموت مرة أخرى. وفي “بورت هوب” كرَّس “شرفن” حياته لخدمة المسيح والآخرين. واشتهر بالكرم والسخاء، فكان يجود بكل ما يملك، حتى بملابسه الخاصة، للآخرين دون أي مقابل؛ حتى أطلقوا عليه “السامري الصالح لبورت هوب”.
كتب چوزيف شرفن ترنيمة تحكي عن اختباره وصداقته مع الصديق المخلص المُحب الرائع الرب يسوع المسيح تقول:
1- |
يا تُرى أيُّ صديقٍ يَحملُ الأثقالَ عنّا يا لإنعامٍ تسامَى إنـنا نُلقي عليه |
|
ممثلُ فادينا الحبيبْ وكذا الهـمَّ المُذيبْ من لَدُنْ ربِّ النجاهْ كلَّ حِملٍ بالصلاهْ |
2- |
ككم لَقِينا من كُرُوبٍ حيثُ لم نُلـقِ عليه هل تجاربٌ وضيق ٌ لاطَمَتنا ورَمَتـن |
|
وواكتئاباتِ الحيـاهْ كلَّ حمـلٍ بالصلاهْ مثـلَ أمواجِ المياهْ فعلينا بالصلاهْ |
3- |
هلهل صديقٌ كيسوعَ ورقيقُ القلبِ يرثي فإذا كُنَّا تعـابَى فلنُصـلِّ ليسوعَ |
|
قـادرٌ بَـرٌّ أمـينْ بلايا المؤمنينْ من جَرَا حَمْلِ الهمومْ إنـه الرب الرَّحومْ |
أرسل چوزيف نسخة من هذه الترنيمة لأمه كي يعزيها بها، لأنها كانت غارقة في الحزن أيضًا لغرق عروس ابنها، لكي يؤكد لها أن الصديق السماوي لم يتركْهُ حتى وإن تُرك من أحنّ وأحب من له هنا في الأرض.
ولقد اكتُشفت الترنيمة في بيت چوزيف شرفن وهو على فراش رقاده، حيث كان يزوره جاره، ولما وجد الترنيمة أُعجب جدًا بها وسأله: “من الذي كتبها؟”.
قال شرفن: “الرب يسوع وأنا اشتركنا في كتابتها! ولقد كتبتها للتعبير عن الصديق الوحيد الذي عزاني عن فقداني عروسي المحبوبة، وكذلك لتعزية أمي التي تألّمت كثيرًا لأجل هذا الحادث”.
قال “جيمس ساكفيل”: إن چوزيف شرفن كتب هذه الترنيمة وأرسل منها نسخة لأمه ونسخة لأمي سنة 1855م. وذكر المرنم الشهير “سانكي”، الذي كان يخدم بالترنيم مع “مودي” في اجتماعات النهضة، قصة الجار الذي اكتشف الترنيمة عند شرفن. وكثيرًا ما كان “سانكي” يعبّر عن إعجابه الشديد بالترنيمة في كل مرة يترنم بها.
لقد رحل “چوزيف شرفن” عن عالمنا عام 1886 في “بورت هوب” بكندا. ومنذ نشر الترنيمة سنة1855م بالإنجليزية، وترجمتها للغات كثيرة، منها العربية، وحتى يومنا هذا، ظلت هذه الترنيمة الاختبارية سبب بركة لكل من يسمعها ويرنمها.
صديقي القارئ العزيز.. صديقتي القارئة العزيزة، اسمح لي أن أسألك نفس السؤال الذي سأله چوزيف شرفن في ترنيمته: “هل صديق كيسوع؟”.
أنا نفسي سأجيب: “كلا بالطبع! فلا يوجد مثله”. كما هو مكتوب: «اَلْمُكْثِرُ الأَصْحَابِ يُخْرِبُ نَفْسَهُ وَلَكِنْ يُوجَدْ مُحِبٌّ أَلْزَقُ مِنَ الأَخِ» (أمثال18: 24). هو وحده الذي يشعر بك ويعينك، «فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ اجْتَازَ السَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ ابْنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بِالإِقْرَارِ. لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ، فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ» (عبرانيين4: 14-16).
فهل تأتي إليه وتتمتع دائمًا بصداقته؟ ألا تصلي معي؟
صلاة: يا أيها الصديق الحبيب الحنان.. يا من اجتزت لأجلي العذاب والنيران.. ورفعت عني الأحزان والهوان.. أقبلك مخلّصي وصديقي الآن.. لترافقني في كل زمان ومكان.. ولنبقى معًا في الحياة والأبدية وكل أوان. آمين