بداية مشجعة.. بداية حسنة.. بداية تبشّر بالخير.. مشوار الألف ميل يبدأ دائمًا بخطوة.. “إحنا لسه في بداية المشوار”.. هذه وغيرها تعبيرات تعوَّدنا أن نقولها عندما نبدأ مشروعًا تجاريًا، أو درسًا علميًا، أو تمرينًا رياضيًا. ولكن عندما يتعلق الأمر بحياتي، ومصيري، وأبديتي، فالأمر يختلف كثيرًا. وعندما يمنحنا الله عمرًا جديدًا، وعامًا جديدًا، فكم نجَّانا من حوادث قتلت كثيرين من حولنا، وشفانا من أمرض أماتت غيرنا، لذلك حريٌ بنا أن نقف وقفةً جادةً ونراجع أنفسنا، نتأمل، ونتعلم، نراجع ما فات، وننسى ما فيه من إساءات، ونتدبر حسنًا لما هو آت، ونجتهد أن نبدأ عامنا أفضل البدايات..
وقد يسأل سائل بإخلاص: كيف أبدأ عامي بداية حقيقية؟ أجيبك بهذه القصة الطريفة التي دارت بين أحد خدام الرب وابنه، عند عودتهما إلى منزلهما، بعد حضورهما اجتماع الأحد صباحًا، قال الابن لأبيه: “لقد أعجبتني موعظتك هذا الصباح يا أبي!”
فقال الآب شاكرًا ومبتسمًا: “إذًا هل تذكر الآية المحورية التي دارت حولها العظة؟”
أجاب الابن: “نعم يا أبي؛ إنها آية قصيرة وجميلة ولا يمكن أن تُنسى وهي:«فجاء به إلى يسوع» (يوحنا1: 42). وبصراحة يا بابا أنا معجب جدًا بأندراوس، الذي تبع يسوع، ومكث معه، وبدافع الحب والإخلاص ذهب وأحضر أخيه سمعان وجاء به إلى يسوع”.
فقال الأب (مداعبًا ابنه): “إذًا قُل لي يا "بطل": من ذا الذي تنوي أن تحضره أنت ليسوع؟”
أجاب الابن، وقد بدت عليه علامات الجدية: “أعتقد يا أبي أنه من الأفضل أن أبدأ أنا بنفسي، وأتوب توبة حقيقية، وأعود الى الرب، وأتبعه من كل قلبي”.
عزيزي وعزيزتي: هذا هو المكان الصحيح الذي يجب أن نبدأ به، فما أحلى الرجوع إلى الرب يسوع. لكن هناك أمر يستحق الالتفات إليه وهو: ليس فقط أن نبدأ حسنًا، لكن الأهم أن نستمر حسنًا، وننتهي حسنًا. نسير مع الرب كل يوم، نميز صوته، ونتمِّم أمره، ونشبع به، ونتشبَّه به. فما أجمل ما قاله أبينا إبراهيم «الرب الذي سرت أمامه» (تكوين24: 40) لقد سار إبراهيم مع الله.
أما لوط فيُقال عنه «لوط السائر مع أبرام» (تكوين13: 5). وحسنًا قال أحدهم “طالما كان لوط سائرًا مع أبرام فهو على ما يرام”! لكن ماذا لو لم يَجِد لوط أبرام؟ إن أبرام قد يوجد اليوم لكنه لا يوجد غدًا، إنه محدود بحدود المكان والزمان، أما الرب فيوجد في كل مكان وفي كل زمان. لذلك لا يذكر لنا الكتاب بحصر اللفظ، أن لوط سار مع الله، ولقد فقدْ لوط كل شيء..
أما سارة فرغم أنها زوجة ابراهيم خليل الله، وأبو المؤمنين، إلا أنها لم تتكل على إيمان زوجها ولم تعتمد عليه روحيًا، بل يقول الكتاب: «بالإيمان سارة نفسها..» أي كان لها إيمانها الخفي الخاص، وشركتها السرية مع الله.
ليعطنا الرب نعمة ونحن في مستهل عام جديد بأن نتخذ أهم قرار نحن في أمَسِّ الحاجة إليه وهو: أن نعود إليه، ونسير معه كل يوم، بل وكل اليوم، وننتظر مجيئه بلهفة وشوق .. لنبدأ!!