لا نعرف عنها سوى القليل الذي ذُكر في سياق الحديث عن نعمان السرياني وقصة شفائه من مرض البرص. وقد وردت هذه القصة في سفر الملوك الثاني والإصحاح الخامس. ولم يُذكر عنها في الكتاب سوى جملتين فقط: «وكان الأراميون قد خرجوا غزاة فسبوا من أرض إسرائيل فتاة صغيرة فكانت بين يدي امرأة نعمان. فقالت لمولاتها يا ليت سيدي أمام النبي الذي في السامرة فإنه كان يشفيه من برصه » (عدد2،3) هذه الفتاة التي لا نعرف عنها حتى اسمها كانت سبب بركة كبيرة لرجل عظيم ولأسرة ذات شأن بل، وشهادة فعالة لله في أيام صعبة. تعال معي لنتتبع القصة :
ظروف قاسية
في أحد الأيام دخلت جيوش الأراميين إلى السامرة في أرض إسرائيل وأخذوا من ضمن مَنْ سبوهم فتاة صغيرة من أحد البيوت اليهودية. وكان الأمر صعبًا جدًّا على الفتاة ، ولا شك أنه كان مُحزنًا أيضًا لعائلتها. مَنْ يستطيع أن يتصور آلامها وهي تؤخذ من وسط بيتها وأهلها بواسطة جنود قساة لا يُشفقون ولا يرحمون؟ ثم ماذا كانت مشاعرها وهي تؤخذ إلى بيت نعمان كإحدى السبايا ثم تعمل هناك كجارية؟
لا شك أنها فكرت وتساءلت : لماذا حدث هذا؟ ولِمَ هذا الظلم؟ وأين الله، وكيف يسكت على هؤلاء الناس المفترين؟ لماذا تُحرم من حنان والديها وتُذّل في بيت غريب؟ ثم لماذا هي بالذات التي يحدث معها هذا؟ أكيد أنها تساءلت هذه الأسئلة وكثير غيرها، ولكن دون جدوى. فلا إجابة على حيرتها ولا تغيير في ظروفها. لكن صديقي الشاب؛ أيوجد شيء يحدث في هذا العالم بالصدفة؟ أيوجد ما يسميه الناس حظًا سيئًا أو حظًا حسنًا؟ ربما يبدو أمامنا أن هذه الفتاة سيئة الحظ، لكن دعني أوضح لك أن لله غرضًا وقصدًا من كل ما يحدث في حياتنا «الرب صنع الكل لغرضه» (أمثال16: 4). فهو له خطة يريد أن يتممها ويحرك كل شيء الناس والظروف لتنفيذ هذه الخطة. لقد «حتم الله بالأوقات المعينة وبحدود مسكننا» (أعمال17: 26). لذا قال له داود قديمًا «في يدك آجالي (أوقاتي)» (مز31: 15).
فلقد قصد الله أن تُسبى هذه الفتاة الصغيرة من بلدها ولم تكن بالمصادفة أن تؤخذ لبيت نعمان رئيس الجيش. ربما يبدو أنها الصدفة البحتة التي أوجدتها في ذلك المكان. فعند تقسيم الأسرى كانت هي من نصيب رئيس الجيش لتكون خادمة لزوجته، لكن كانت يد الله هي التي تحرك الأمور، واتضح بعد ذلك أن الله أرسلها إلى هناك إلى هذه البلاد وإلى هذا البيت بالذات لأنه قصد أن يستخدمها في خدمة عظيمة.
أصدقائي الشباب؛ هل نتعلم هذا الدرس الهام لحياتنا؟ هل أدركنا أن كل دقائق وتفاصيل حياتنا هي في يد الله؟ أحيانًا نتذمر على أماكن معيشتنا أو نوعية عائلاتنا. وقد يتولّد فينا شعور بالرفض للمستوى الاجتماعي أو المادي الذي نحن فيه ويغيب عنا تمامًا أن لله قصدًا وغرضًا عظيمًا في حياتنا.
نفس ناجحة
كان من الطبيعي أن يتولد في نفس هذه الفتاة كراهية وحقد ضد سيدها نعمان، الذي هو، حسب الظاهر، السبب في شقاوتها وتعاستها. لكن على العكس من ذلك نراها تتمنى شفاءه من البرص وتُخبر سيدتها بالوسيلة لهذا. لا شك أن هذه الفتاة تعلّمت عن الله وهي في بلادها وكان لها إيمان حقيقي به وهي لازالت صغيرة. لذا فبفضل علاقتها مع الله ارتفعت فوق كل مرارة أو ضغينة كان من الممكن أن تتولد في نفسها. لقد تم فيها القول «فإن جاع عدوك فأطعمه. وإن عطش فاسقه... لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير»(رومية12: 20، 21)، وأكثر من ذلك فلأن قلبها كان صحيحًا أمام الله فهي لم تُعانِ من صِغر النفس أو الشعور بالنقص.
لقد كان سيدها نعمان أمميًا وكانت هي يهودية مكروهة في ذلك الوقت. كان نعمان رجلًا عظيمًا. وكانت هي « فتاة صغيرة » وكان هو رئيـس الجيـــش وكانـــت هي جاريــة مسبية. ورغمًا عن ذلك ارتفعت فوق أي إحساس بصغر النفس وامتلأ قلبها بالشفقة نحو سيدها والرغبة في شفائه، يا لها من مثال رائع!
أصدقائي .. هل عانينا أحيانًا من الشعور بالنقص بالنسبة للآخرين وبالتالي كان بداخلنا رفض لهم؟ وهل حدث أننا شعرنا بالراحة في داخلنا عندما رأينا مصائب من أساءوا إلينا؟ إن هذه الفتاة الصغيرة تُشبه إلى حد كبير الرسول العظيم بولس الذي وقف مرة أمام مَنْ يحاكمونه والسلاسل في يديه وقال لهم: «كنت أصلي إلى الله أنه بقليل وبكثيرٍ ... جميع الذين يسمعونني اليوم يصيرون هكذا كما أنا ما خلا هذه القيود»(أعمال26: 29).
لقد كانت آلام هذه الفتاة سبب بركة للآخرين وكأنها تقول مع الرسول بولس « فإن كنا نتضايق فلأجل تعزيتكم وخلاصكم..» (2كورنثوس1: 6)
خدمة مؤثرة
كانت الفتاة الصغيرة سبب بركة لمن عاشت بينهم وبدلًا من أن تشكو وتتذمر تكلمت بكلمات قليلة عن وسيلة الشفاء لسيدها وكان لكلماتها تأثير عظيم جدًّا. لاشك أنها كانت خادمة ممتازة تقوم بعملها جيدًا وسلوكها الممتاز هيأ لها الفرصة لتشهد عن إلهها الحي الحقيقي وما قالته أخذه نعمان بعين الاعتبار.
كما أنها لم تبقَ صامتة بسبب الخجل أو صِغر سنها ولم تشعر أن مركزها الاجتماعي كخادمة يمنع الناس من الاستماع لها. لقد رأت إنسانًا ذا حاجة وآمنت أن الله يستطيع أن يسد حاجته ويشفيه من مرضه المُخيف، لذا تكلمت ولم تسكت.
ما أقل كلماتها .. «يا ليت سيدي أمام النبي الذي في السامرة» لكن ما أعظم إيمانها «فإنه كان يشفيه من برصه». إنها متأكدة تمامًا من قدرة الله بواسطة النبي أليشع لذا فهي تتكلم بكل يقين وليس لديها أدنى شك في ذلك. «آمنت لذلك تكلمت» (2كو4: 13).
أصدقائي الشباب. إيمان هذه الفتاة الصغيرة يخجلنا وشهادتها الأمينة لله تحفزنا. ينبغي أن نفتح أفواهنا ونشهد عن محبة المسيح لكل نفس نلتقى بها أو نوجد معها.