داعبني عنوان صغير طريف في أسفل الصفحة الثانية والعشرين بجريدة الأخبار الصادرة يوم الاثنين 14/8/2007، إذ كان معنونًا بهذا العنوان ”سرقاه مرتين“. وأسوق اليك عزيزي القارئ ما جاء فيه ببعض التلخيص. مكتوب فيه أن اثنين من اللصوص تعرَّفا على شخص على كورنيش النيل، واقترضا تليفونه المحمول لإجراء مكالمة، ثم غافلاه وهربا. وبعد أسبوعين، وفي نفس المكان، التقى بهما؛ فقدَّما اعتذارهما له، وأبلغاه بوجود التليفون في منزلهما. واصطحباه معهما بحجة إعطائه المحمول. وفي أحد الأماكن المتطرفة، اعتديا عليه بشفرات الحلاقه، وسرقا ما معه من نقود. وفي نهاية الخبر، وبعد القبض على السارقين، وصف اللصوص هذا المسروق ”بالساذج“ أمام وكيل النيابة.
عزيزي القارئ ، قد تندهش من هذه الواقعة، قد تشفق على المجني عليه، وقد تعلو وجهك ابتسامة سخرية من سذاجته. لكن دعني أقول لك إننا لا نختلف عنه كثيرًا! فقد يكون هذا الشخص قد سُرق مرتين خلال أسبوعين، أما أنا وأنت، فإننا قد نُسرق كل يوم ومن نفس السارق، وقد يكون بنفس الطريقة أيضًا. مكتوب في كلمة الله المقدسة ما قاله الرب يسوع عن الشيطان للجموع «السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهُلك. وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة، وليكون لهم أفضل» (يوحنا 10: 10). هل عرفت الآن من هو السارق الحقيقي؟ إنه الشيطان الذي يسلبك كل يوم، بطرق متعدِّدة، وأنت لا تُبالي! إنه عدو الخير، الذي لا يريد لك خيرًا على الأطلاق، بل يبحث في كل لحظة عن ما يكدِّر صفو حياتك، لكي تحيا حزينًا بائسًا تعيسًا كل أيام حياتك. رغم أن ربنا يسوع المسيح، إلهنا المحبّ العظيم، قد جاء لتكون لك ولي الحياة الأفضل.
على أنني لاحظت أيضًا في هذه الواقعة أمرًا خطيرًا جدًا، وهو أن السرقة الأولي كانت أقل وطأة وخسارة من الثانية؛ فقد سُرق منه المحمول فقط دون أي ايذاء جسدي في الواقعة الاولى. أما في الثانية فقد سرقوا كل ما معه من نقود، ولم يكتفوا بهذا، بل اعتديا عليه بشفرات الحلاقه، وبالتأكيد أصابوه بجراح متعدِّدة في أجزاء جسمه. ودعني أقول لك، قارئي العزيز، أن هذا بعينه ما يفعله معنا الشيطان، ولا يمل أبدًا من فِعله. دعني أُذّكِّرك - على سبيل المثال - بما حدث مع ذلك الابن الأصغر في لوقا 15: 11-18.
لقد بدأ الشيطان معه بأمر بسيط للغاية، ألا وهو أن يأخذ القسم الذي يصيبه من المال من أبيه. وأعتقد أن الابن لم يكن يعتقد أن هذا أمرًا غريبًا، بل هو حق شرعي وطبيعي. ثم نجد الشيطان يلقي في ذهنه بالطُعم الثاني وهو أن يترك البيت ويسافر طلبًا للحرية والسعادة الوهمية؛ إذ يقول الكتاب «وبعد أيام ليست بكثيرة، جمع الابن الأصغر كل شيء وسافر إلى كورة بعيدة». فواضح أنه كانت هناك فترة زمنية بين كلاً من الفكرتين. وهكذا استمرّ الشيطان يُلقي بالطُعم تلو الآخر لذلك الشاب المسكين.
ولاحظ معي، صديقي الشاب، الخطوات التي استخدمها عدو الخير في سلب ذلك الابن لأفراحه، والذي جاء في كلمة الله بترتيب رائع (سافر - بذّر ماله - أنفق كل شيء - ابتدأ يحتاج - كان يشتهي - لم يُعطِه أحد - أنا اهِلك جوعًا). كانت البداية مجرّد فكرة، قد تبدو بسيطة، أن يحيا هذا الشاب ما يسميه أهل العالم بالحرية. لم يكن يدرك أن هذه الخطوة هي بداية العبودية الحقيقية. وهذا عين ما يفعله معك الشيطان؛ فالأمر يبدأ بفكرة، تتحول إلى فعل، ثم الى عادة يومية ذميمة. يبدأ معك بخيوط صغيرة، سرعان ما تصبح قيودًا خطيرة، لا يسهل التخلص منها. يقول الكتاب: «الشهوة إذا حبلت تَلِد خطية، والخطية إذا كمُلت تُنتج موتًا» (يعقوب1: 15). إقرأ معي ايضًا هذه الآيه الهامة التي جاءت في أمثال 23: 31، 32 «لا تنظر إلى الخمر إذا احمرَّت، حين تُظهر حبابها في الكأس وساغت مرقرقة. في الآخر تلسع كالحية وتلدغ كالأفعوان». والخمر هنا صورة لكل ما تشتهيه عينيك من شهوات نجسة وخطايا دنسة. ولا تنسَ، أخي الحبيب، أن الخطية برَّاقة ومثيرة، والكتاب لا ينفي أن لها متعة؛ لكنه أيضًا يؤكِّد أنها مجرَّد متعة وقتية (عبرانيين 11: 25)، وفي النهاية تقودك الخطية للموت الأبدي، والانفصال عن الله إلى الأبد في الجحيم والهلاك الأبدي.
القارئ العزيز.. لا تسمح لعدو الخير أن يسلبك حقَّك في أن تعيش حياة منتصرة كريمة، أعدَّها لك المسيح لتحيا معه بلا هم ولا غم. ولا تنسَ أن الشيطان حينما ينجح في أن يسلبك شيئًا، فهو لن يهدأ أو يكتفي بهذا النجاح، بل سيظل ينصب شباكه وفخاخه حولك كي يكرِّر الأمر في أقرب فرصة تُتاح له. وهذا ما حذَّرنا منه بطرس الرسول قائلاً «اصحوا واسهروا، لأن إبليس خصمكم كأسد زائرٍ يجول ملتمسًا من يبتلعه هو» (1بطرس 5: 8). لكن مع ملاحظة أنه في كل مرة يحاول أن يضاعف خسائرك، ويحاول أن يُفقدك أمورًا أكثر؛ ليترك في نفسك جروحًا أكثر تأثيرًا وأكبر عمقًا من سابقتها.
أعتقد - عزيزي الشاب - أن هذا الأمر حدث معك مرارًا وتكرارًا؛ لكن دعني أسألك: حتى متى؟ حتى متى ترضى بالذل والمهانة والجروح من ذلك العدو القاسي الذي لا يرحم من يأتي في طريقه؟ حتى متى تسير طريقك مُطأطئَ الرأس منحنيًا تحت ثقل الشعور بالذنب والهزيمة المستمرة؟ قال الحكيم في سفر الامثال «الغم في قلب الرجل يحنيه والكلمة الطيبة تفرحه» (أمثال12: 25)؛ فلِم تحمل في قلبك غمًّا يحنيك وقد أرسل لك الرب كلمته الطيبة التي تفرِّح وتعزي القلب المغموم الحزين؟ هيا قُم الآن رافضًا من قلبك، وبشدة، أن تظل مهزومًا مدحورًا من عدو الخير، واركع أمام فاديك ومخلِّصك ربنا يسوع المسيح، طالبًا منه الخلاص الذي أعده لك بموته على الصليب. تضرّع إليه أن يقود خطواتك باقي أيام العمر، حتى لا تتعثر وتسقط. وأطلب منه أن تحيا معه الحياة الكريمة الفاضله التي يريدها لك، مكرِّسًا ما تبقَّى من حياتك لمن كرَّس وقدَّم حياته لأجلك.