جون وبيتر أخوان شقيقان وأحباء، ولكل منهما بيت جميل ورائع. كانا يزرعان الأرض معًا، وكل شيء بينهما كان مشتركًا من حيث الماكينات والطلمبات وكل معدات الزراعة. ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فتسبب الشيطان في مشكلة بينهما كانت صغيرة في البداية، لكنها كالخميرة أخذت تنمو وتنمو، إلى أن تخاصما بعد 40 سنة من المحبة الأخوية الحقيقية الصادقة.
كان بيتر، الأخ الأصغر، أكثر عصبية من أخيه الأكبر جون، فبعد المشاجرة قاد البلدوزر تجاه السد الذي بجوار النهر القريب، وصنع مجرىً مائيًا صغيرًا يفصل بين بيته وأرضه وبين بيت وأرض جون أخيه.
اغتاظ جون جدًا بسبب تهوّر بيتر وحفره للنهر. وبعد أيام من الغضب والتفكير الطويل، ولكي يرد على ما فعله بيتر، استدعى جون نجارًا معروفًا للعائلة، وأراه المجرى الذي حفره أخوه، وحكى له قصة الخلاف. وطلب جون من النجار أن يردّ على حفر المجرى ببناء سور من الخشب بين بيته وأرضه وبيت وأرض أخيه بيتر، على أن يزيد ارتفاع السور عن 3 أمتار حتى لا يرى وجه أخيه بعد اليوم. وبعد أن قدَّم للنجار الأخشاب وكل ما يلزم لبناء السور تركه ينجز عمله في هدوء.
سافر جون لمدينة قريبة، وعاد في اليوم التالي وهو متحمِّس لرؤية السور المرتفع الذي بناه النجار. وما أن وصل للبيت حدَّق النظر فلم يرَ السور، واندهش عندما رأى جسرًا جميلاً جدًا، تحفة خشبية رائعة، يمتد فوق المجرى المائي الذي كان قد حفره بيتر.. جسر يربط البيتين معًا مرة أخرى رغم وجود المجرى الصغير! وكانت دهشة جون أكثر إذ شاهد بيتر يقف على الجسر ينتظر مجيئه. وما أن رأى بيتر أخاه الأكبر، حتى تقدَّم فوق الجسر، وأمسك بيده، والدموع تنهمر من عينيه بغزارة شديدة، والخجل يملأ وجهه قائلاً: ”أخي الحبيب جون، أنت إنسان نبيل، لم أرَ، ولن أرى نظيرك؛ لأنك ردّيت على جهلى وشري بالحب، فأنا في غبائي شققت نهرًا بيني وبينك، لكنك في نضوجك ولطفك بنيت جسرًا لنجتمع مرة أخرى.. سامحني يا جون يا جبيبي.. اغفر لي فأنا لن أكرِّر حماقاتي مرة أخرى. لقد تعلمت منك اليوم درسًا رائعًا في المحبة والغفران“.
كان جون يرى ويستمع لبيتر في ذهول! وسريعًا ما فهم ما حدث؛ فالنجار صديق العائلة بنى جسرًا بدل السور، وبنى الحب بدل الكراهية، وبنى التوحد بدل الشقاق. وبعدما احتضن جون بيتر وقَبِلَه وقَـبَّله، قالجون للنجار، الذي كان يقف مبتسمًا متأثِّرًا في الطرف الآخر من الحديقة: ”ما أروع ما عملت! ومأروع قلبك!“. وبينما كان النجار ينصرف مسرعًا، طلب منه الأخوان أن يمكث معهما بعض الوقت، فأجاب النجار وهو ينصرف مبتسمًا: ”دعوني أذهب مسرعًا، لديَّ كثير من الجسور يجب علي أن أبنيها هذه الأيام“.
صديقي القارئ العزيز.. صديقتي القارئة العزيزة.. أعتقد أنك معجب معي بما فعله هذا النجار صانع السلام. لقد قال الرب يسوع: «طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللَّهِ يُدْعَوْنَ» (متى5:9). ولكني معجب أيضًا بجون وبيتر اللذين غفرا بعضهما لبعض. ويذكر لنا الكتاب المقدس ثلاثة أنواع من الغفران:
أولاً: الغفران الأبدي
وهو الذي يحصل عليه الإنسان الخاطئ بعد إيمانه الحقيقي بعمل الرب يسوع الكفاري علي الصليب «الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ» (أفسس1:7؛ كولوسي1:14). كما قال الرب للمرآة التائبة: «مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ... إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ! اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ» (لوقا7:48،50). «وَإِذْ كُنْتُمْ امْوَاتًا فِي الْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحًا لَكُمْ بِجَمِيعِ الْخَطَايَا» (كولوسي2:13).
ثانيًا: الغفران الأبوي
وهو الذي يحصل عليه المؤمن الحقيقي عندما يعترف لأبيه السماوي بأي خطية ارتكبها: «إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ» (1يوحنا1:9).
ثالثًا: الغفران الأخوي
وهو أن يغفر المؤمن لأخيه المؤمن «مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا إنْ كَانَ لأَحَدٍ عَلَى احَدٍ شَكْوَى. كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسِيحُ هَكَذَا انْتُمْ أيْضًا» (كولوسي3:13). وقد سأل بطرس الرب يسوع سؤالاً هامًا: «يَا رَبُّ كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ» (متى21:18). واترك معك هذا المثل الرائع الذي ذكره المسيح: «إِنْسَانًا مَلِكًا أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ. فَلَمَّا ابْتَدَأَ فِي الْمُحَاسَبَةِ قُدِّمَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ مَدْيُونٌ بِعَشْرَةِ آلاَفِ وَزْنَةٍ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي أَمَرَ سَيِّدُهُ أَنْ يُبَاعَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَأَوْلاَدُهُ وَكُلُّ مَا لَهُ وَيُوفَى الدَّيْنُ. فَخَرَّ الْعَبْدُ وَسَجَدَ لَهُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ. فَتَحَنَّنَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَأَطْلَقَهُ وَتَرَكَ لَهُ الدَّيْنَ. وَلَمَّا خَرَجَ ذَلِكَ الْعَبْدُ وَجَدَ وَاحِدًا مِنَ الْعَبِيدِ رُفَقَائِهِ كَانَ مَدْيُونًا لَهُ بِمِئَةِ دِينَارٍ فَأَمْسَكَهُ وَأَخَذَ بِعُنُقِهِ قَائِلاً: أَوْفِنِي مَا لِي عَلَيْكَ. فَخَرَّ الْعَبْدُ رَفِيقُهُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلاً: تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ. فَلَمْ يُرِدْ بَلْ مَضَى وَأَلْقَاهُ فِي سِجْنٍ حَتَّى يُوفِيَ الدَّيْنَ. فَلَمَّا رَأَى الْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُ مَا كَانَ حَزِنُوا جِدًا. وَأَتَوْا وَقَصُّوا عَلَى سَيِّدِهِمْ كُلَّ مَا جَرَى. فَدَعَاهُ حِينَئِذٍ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ كُلُّ ذَلِكَ الدَّيْنِ تَرَكْتُهُ لَكَ لأَنَّكَ طَلَبْتَ إِلَيَّ. أَفَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّكَ أَنْتَ أَيْضًا تَرْحَمُ الْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟ وَغَضِبَ سَيِّدُهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْمُعَذِّبِينَ حَتَّى يُوفِيَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ. فَهَكَذَا أَبِي السَّمَاوِيُّ يَفْعَلُ بِكُمْ إِنْ لَمْ تَتْرُكُوا مِنْ قُلُوبِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ لأَخِيهِ زَلاتِهِ» (متى18:23-35).
صديقي القارئ العزيز.. صديقتي القارئة العزيزة.. هل تمتعت بغفران الخطايا؟ وهل تعلمت أن تغفر للآخرين؟ هل تصلي معي؟
صلاة: يا من طلبت لقاتليك الغفران أرحمنى وأغفر لي فأنا أحوج إنسان وساعدني أن أغفر مهما كان وفي كل زمان.. آمين