بيني وبينك

التقى صديقانا من جديد ليكملا حديثهما، وبادر الشاب صديقه الشيخ بالقول:
* عندي لك أخبار طيبة.
- هات ما عندك يا صديق.

* أشعر بتحسن كبير في علاقتي بالرب. فبعد أن تعلّمت أن أبذل جهدًا في درس الكتاب والصلاة، وكذا تحذرت مما يعرضه العالم، وتعوّدت أن أفحص نفسي في محضر الله ليشير على أية خطية في حياتي لأتوب عنها توبة حقيقية؛ هذه الأمور أدّت إلى تحسن كبير في حياتي الروحية.
- هذا أمر جميل جدًا.

* على أني لست أشعر بالاكتفاء، بل أعتقد أن هناك ما هو أفضل من ذلك.
- وهذا أمر أجمل من الأول.

* ماذا تقصد؟!
- أقصد أن الطموح الروحي لحياة أفضل لمجد الرب ولشركة أعمق معه، ومعرفة أكثر للمكتوب، وعمق أكثر للصلاة؛ هو أمر رائع. فعكسه؛ أي عدم وجود طموحات روحية هو من أسباب الفتور الروحي.

* هل أٌزعجك إذا طلبت بعض الإيضاح؟!
- لا بالطبع بل يسعدني.

* إذًا تفضَّل بذلك.
- إن ما يخلق الاجتهاد والتدقيق في حياتي ويكسبها حرارة حقيقية هو أن يكون عندي طموح لأحقِّقه، أهداف سامية أسعى إليها. فأنت إن خرجت للشارع دون هدف فستسير على غير هدى بغير حماس. أما إن خرجت وعندك هدف تريد تتميمه فسيمتلئ يومك حرارة ودفء.

* مضبوط.
- والرسول بولس يوضِّح هذا الأمر بمثال من الرياضة. اسمعه، وهو يشير إلى المتسابقين في مضمار الجري فيقول: «ألستم تعلمون أن الذين يركضون في الميدان جميعهم يركضون؟». ويوضِّح لنا السبب: أن كل واحد عنده الطموح أن يكون هو الذي ينطبق عليه القول «ولكنَّ واحدًا يأخذ الجعالة (الجائزة)» (1كورنثوس9:24،25). ترى ماذا يفعل هذا الطموح في السباق؟!
بالتأكيد سيُكسب السباق حرارته.
وتخـيَّل لو كنت تلعب الكرة دون وجود مرمى (كما كانت في أول عهدها) فما الذي سيدفعك لبذل الجهد إذ كنت لن تسجِّل أهدافًا؟!

* أعتقد أنها ستكون مباراة دون حماس. أي فاترة.
- تمام.
ثم يتحول الرسول بولس من الرياضة إلى المؤمنين محرِّضًا «هكذا اركضوا لكي تنالوا». ويفارق بين الوضع في الرياضة والوضع الروحي بالقول «أما أولئك فلكي يأخذوا إكليلاً يفنى، وأما نحن فإكليلاً لا يفنى». وقد كان بولس تطبيقًا عمليًا على هذا. لقد كان شعار حياته «أسعى نحو الغرض (الهدف)»، ولذلك كان يحسب كل الأشياء خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع، ليعرفه (فيلبي3:7-15). وإذ كان يحسب نفسه «ليس أني قد نِلت أو صرتُ كاملاً، ولكني أسعى...» فاستمر في التقدم الروحي.

*وبالطبع هذا ما أكسبه حرارة روحية.
-أكيد. لقد وصل به إلى أن قال «لست أحتسب لشيء ولا نفسي ثمينة عندي حتى أتمم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع لأشهد ببشارة نعمة الله» (أعمال20:24).

*لكن ما الذي يجعل الإنسان في مثل هذه الحالة: بلا طموح روحي.
-أعتقد أن أحد الأسباب هو أننا لا ندرك ما يمكن أن نصل إليه إن ارتقت رغباتنا الروحية. ذهب يوآش الملك يومًا إلى أليشع النبي وهو على فراش مرضه، وبعد أن أراه بمثال عملي أن الرب سيخلِّصه، بأن رمى سهامًا قائلاً: «سهم خلاص للرب وسهم خلاص من أرام... ثم قال خذ السهام. فأخذها. ثم قال لملك إسرائيل: ”اضرب على الأرض“. فضرب ثلاث مرّات ووقف. فغضب عليه رجل الله، وقال: ”لو ضربت خمس أو ست مرّات حينئذ ضربت آرام إلى الفناء. وأما الآن فإنك إنما تضرب آرام ثلاث مرات» (2ملوك 13:17-19). فلو أدرك الملك ذلك، لأزاد طموحه ففاز بالنصر الكامل على العدو.
لقد خسر الكثير بالحق.
للأسف هذا يحدث مع الكثيرين. لقد أرسل الله النبي أليشع إلى آحاز الملك قائلاً: «عمِّق طلبك أو رفِّعه إلى فوق. فقال آحاز: لا أطلب ولا أجرِّب الرب». فكان رد النبي: «هل هو قليل عليكم أن تضجروا الناس حتى تضجروا إلهي أيضًا؟» (إشعياء7:11-13) معلنًا أن هذا الأمر، إذ يعبِّر عن عدم تقدير لأمور الله، فقد أحزن قلبه.

*وهل هذا فعلاً سبب حزن لقلب الله؟!
-بكل تأكيد أنه أمر يحزن قلب الله أن لا نتجاوب مع رغبته في أن نطلب، فهو يريدنا أن نفعل ذلك ليعلن هو حبه لنا (يوحنا16:23-27).

*وهل من أسباب أخرى لهذه الحالة؟!
-أعتقد أن ارتباكنا بطموحات كثيرة في الزمان: مال، مركز، شهرة، مأكل، ملبس، نجاح، مستقبل؛ كل هذه تعطِّل طموحاتنا الروحية. والرب يريدنا أن نطلب أولاً ملكوت الله وبره، أي يكون ذلك هو طموحنا ورغبتنا الصادقة، أما القائمة السابقة فالله سيزيدنا إياها على مبدإ كرمه فحسب (متى6:33).

*إن الأمر صعب!
-لكن نعمة الله قادرة أن تفعل ذلك فينا.

*صحيح!
-صلِّ طالبًا أن يجعل الرب أموره غالية على قلبك، فتتولد في داخلك أهداف وطموحات روحية سامية تحيا من أجلها، فتعيش حياة سامية.

وشاركني أنت أيضًا الصلاة.
أعدك أن أفعل بنعمة الرب.
إذًا، فإلى لقاء.