تُعتبَر الهند ثاني أكبر دولة في العالم، بعد الصين، من حيث عدد السكان؛ إذ يبلغ عدد سكانها حوالي 1.3 مليار نسمة، يدين حوالي 80% منهم بالديانة الهندوسية. لهذا سافر الكثير من المرسلين المسيحيين للكرازة في الهند عبر القرون الماضية.
كان مارك، المرسل للهند، يواجه الكثير من الصعوبات لتوصيل بشارة الإنجيل في إحدى قرى الهند الساحلية، بسبب ظلام الوثنية، كما هو مكتوب: «وَلَكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُومًا، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ، الَّذِينَ فِيهِمْ إِلَهُ هَذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ» (2كورنثوس4: 3،4).
تعرَّف مارك على هندي اسمه ”راجيف“، وكان راجيف يبلغ الخمسين من عمره، ويعمل كغطاس للبحث والتنقيب واستخراج اللآلئ البحرية الثمينة. وصار راجيف واحدًا من أوفى أصدقاء مارك طوال مدة خدمته للرب في الهند. وكثيرًا ما كان مارك يحدِّث راجيف ببشارة الإنجيل، ولكن راجيف كان يرفض قبول الإنجيل ويقول: ”أنا لا، ولن، أصدق أن الله يعطي الحياة الأبدية الخالدة كعطية مجانية“. ورغم أن مارك كثيرًا ما كان يقرأ له الآية الشهيرة: ”مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ»(رومية3: 24)، إلا أن راجيف كان لا يستطيع قبول فكرة العطية المجانية ويقول: ”إن الحياة الأبدية ثمينة جدًا وغالية، ولا أستطيع أن أحصل عليها مجانًا“.
بعد مرور عدة سنوات على صداقة راجيف ومارك، دعى راجيف صديقه مارك لزيارته في بيته، وتحدث معه قائلاً: ”مَرّ العمر بي فقرَّرت أن أحصل على الحياة الأبدية قبل فوات الفرصة ونهاية حياتي على الأرض“. ولما سأله مارك عن كيف سيحصل عليها، قال راجيف: ”سأسافر للمعبد الكبير في العاصمة نيودلهي على بعد 700 كيلومترًا، زاحفًا على ركبتي. لهذا دعوتك الآن لبيتي“. وعندها سأله مارك: ”ومهو المطلوب مني أن أفعله؟“ قال له راجيف: ”سأشرح لك الآن كل شيء“. وأحضر راجيف علبة جميلة مغلفة بالأقمشة المزخرفة، ولما فتحها أخرج منها أروع وأثمن لؤلؤة رأها مارك في حياته. وقال راجيف لمارك، والدموع تنهار من عينيه: ”المطلوب منك يا صديقي فقط أن تقبل هذه اللؤلؤة هدية مني. إن هذه اللؤلؤة هي أهم وأغلى ما أملك في الحياة؛ لقد مات ابني الوحيد وهو يستخرجها من الماء، بعد أن عاش طوال حياته يحلم بالحصول على أثمن لؤلؤة في العالم، ولما وجدها - للأسف - بقي كثيرًا تحت الماء لرفعها للشاطيء، فغرق واللؤلؤة في يده. ولما استخرجنا جثته كان يمسك باللؤلؤة بكلتا يديه. لقد فكرت كثيرًا، ولم أجد أوفى منك يا صديقي مارك لأهديك هذه اللؤلؤة التي ثمنها موت ابني الوحيد“.
في الحال، وبعمل الروح القدس، خطرت فكرة عظيمة على ذهن مارك، فقال لصديقة راجيف: ”نعم يا صديقي سآخذ اللؤلؤة منك، ولكني لن أقبلها كعطية مجانية؛ سادفع لك فيها 10 آلاف دولار أمريكي“. صمت راجيف والغيظ المختلط بالحزن يغمره، وقبل أن ينبت ببنت شفة، بادره مارك قائلاً: ”سأدفع 20 ألف إن كنت لا توافق على 10 آلاف. وعندي استعداد أن اشتريها حتى 50 ألف“.
انفجر راجيف وهو يصرخ في وجه مارك قائلاً: ”ولأموال العالم كله، ولا ملايين الدولارات تساوي هذه اللؤلؤة! إنها هدية مجانية. لم تفهم ما قلته لك؛ إن ثمنها موت ابني الوحيد؟! فلو كنت أريد بيعها لكُنت بعتها منذ عشرات السنين، لكنها ليست للبيع. كيف أبيع أو أقبض ثمنًا لموت ابني؟“.
ابتسم مارك وهو يتأسف ويُهدّئ من روع راجيف، ويقول له: ”لا تتضايق مني يا صديقي الغالي. فقط كنت أريد أن أوصِّل لك الفكرة التي تحدّثت معك فيها منذ سنين طويلة“. أجابه راجيف: ”وما هي هذه الفكرة؟“ قال مارك: ”إن كنت وأنت إنسان لا تريد أن تبيع لؤلؤة ثمنها موت ابنك الوحيد، فكيف تفترض أن الله يبيع لك الحياة الأبدية بأن تزحف على ركبتيك للمعبد في العاصمة نيودلهي على بعد 700 كم؟“.
اتسعت عينا راجيف، وابتسم ابتسامة عريضة وعميقة، وتغيرت ملامحه، ولأول مرة يشعّ نور الإنجيل في قلبه، وهو يردد الآية التي كثيرًا ما قالها له صديقه مارك: «لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ (اعطى) ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا3: 16). وفي تلك الساعة سلَّم راجيف حياته للمسيح، وصار مسيحيًا حقيقيًا، ونال هبة الحياة الأبدية «لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا» (رومية6: 23).
صديقي.. صديقتي.. مكتوب: «وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بِدُونِ النَّامُوسِ مَشْهُودًا لَهُ مِنَ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ، بِرُّ اللهِ بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ. لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ؛ إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ. مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً، بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ... لإِظْهَارِ بِرِّهِ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ، لِيَكُونَ بَارًّا وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الإِيمَانِ بِيَسُوعَ. فَأَيْنَ الافْتِخَارُ؟ قَدِ انْتَفَى! بِأَيِّ نَامُوسٍ؟ أَبِنَامُوسِ الأَعْمَالِ؟ كَلاَّ! بَلْ بِنَامُوسِ الإِيمَانِ. إِذًا نَحْسِبُ أَنَّ الإِنْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِالإِيمَانِ بِدُونِ أَعْمَالِ النَّامُوسِ» (رومية3: 21-28). فهل تمتعت بالحياة الأبدية كعطية مجانية كلؤلؤة لا تُباع، لأن ثمنها موت المسيح لأجلك؟ فالنعمة تعني إحسان لمن لا يستحق، ومكتوب: «لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ؛ هُوَ عَطِيَّةُ اَللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ» (أفسس2: 8، 9). الرب يسوع يناديك قائلاً: «قَدْ تَمَّ! أَنَا هُوَ الأَلِفُ والْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ. أَنَا أُعْطِي الْعَطْشَانَ مِنْ يَنْبُوعِ مَاءِ الْحَيَاةِ مَجَّانًا... وَالرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: تَعَالَ. وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: تَعَالَ. وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا» (رؤيا21: 6؛ 22: 17).
فهل تصلي معي:صلاة: يا من قدَّمت ابنك ليموت عني على الصليب.. أعظِّمك وأقدِّر حبك العجيب.. واقبل عطيتك المجانية يا أطيب حبيب. آمين