في شخصية بَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ صورة رمزية جميلة للرب يسوع المسيح، الذي هو الله الظاهر في الجسد، والذي فيه اجتمع اللاهوت والناسوت بكيفية عجيبة، والذي هو موضوع الكتاب المقدس كله:
أولاً: اسمه «بَنَايَاهُو». وهو اسم عبري معناه ”مَنْ بَنَاه يهوه“ أو ”مَنْ يُهيئه يهوه“. وهذا الاسم يتكلَّم إلينا عن تجسد ابن الله، «والكلمة صار جسدًا» (يوحنا1: 14). إنه - له كل المجد - قَبِلَ من الله أبيه جسدًا هيَّأه له، وعند دخوله إلى العالم بهذا الجسد، أعلن أن الله أتمَّ نبوة المزمور «أُذُنَيَّ فَتَحْتَ» (أو ”هيَّأتَ لي جَسَدًا“ بحسب الترجمة السبعينية) (مزمور 40: 6؛ عبرانيين10: 5). فلأن دم ثيرانٍ وتيوسٍ لا يمكن أن يرفع خَطَايَا، دخل ابن الله مشهد الخراب هذا؛ دخل بمحض إرادته، وفي طاعة مُطلقة، مُستترًا في الناسوت الذي تهيَّأ له، مُخليًّا نفسه من هالة المجد، وساترًا صورة الله تحت صورة العبد، لكي يستطيع أن يفعل مشيئة الله ويتمِّم المشورات الإلهية، لمجد الله وخلاص الخطاة، بإتمام عمل الصليب.
ثانيًا: هو ابن «يَهُويَادَاعَ». والاسم معناه ”مَنْ يعرفه يهوه“ أو ”الله يعرفه“. وهذا الاسم يتكلم إلينا عن شخص المسيح الفائق الذي لا يعرفه إلا الآب «ليسَ أَحَدٌ يَعرِفُ مَنْ هُوَ الابن إلا الآب» (لوقا10: 22؛ متى11: 27). فبالإجماع كانت حقيقة شخصه عجيبة ومجيدة إلى هذا المقدار حتى أنها لا تُدرك من البشر. ونحن نعرف الابن كالمخلِّص والسَيِّد، ولكن شخصه مَنْ يَعْرفُ، فإنه سما وفاق. كان الرسول بولس يفتخر ويفرح بسبب سمو معرفته للرب يسوع، ومع ذلك كان له دائمًا رغبة مُلحة ليعرفه أكثر (فيلبي3: 10)، ولكنه مهما سما وعلا في المعرفة، فإنه لن يصل إلى النهاية.
ثالثًا: هو من «قَبصِئيِلَ». وهي مدينة على حدود يهوذا الجنوبية (يشوع15: 21)، وقد أُعيد بناؤها مرة ثانية بعد العودة من السبي، وسُميت «يَقَبْصِئِيلَ» (نحميا11: 25). ومعنى الاسم ”مجموع مِنْ الله“. والاسم في العبرية يُشير إلى الشيء الذي أُريقَ وسُفِكَ، ولكن الله أعاد جَمعَهُ. وفي معنى الاسم نرى صورة رمزية لموت ثم قيامة ربنا يسوع المسيح، الذي «سَكَبَ للموتِ نَفسَهُ» (إشعياء53: 12)، والذي سأل - كإنسان - حياة القيامة من الله أبيه، وأُستجيب له من أجل تقواه (مزمور16: 11؛ أعمال2: 14-18؛ مزمور21: 4، عبرانيين5: 7).
رابعًا: يوصف ”بَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ“ بأنه «ابن ذِي بَأسٍ، كثيرُ الأفعالِ».
- ابنٌ. وهذا يذهب بأفكارنا مباشرة إلى «الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب» (يوحنا1: 18).
- ذِي بأسٍ أي الشجاع؛ الذي فيه القوة والعز. صورة للشخص المجيد الذي ذهب في مشوار طاعته مشيئة أبيه، حتى موت الصليب، بخطوات واسعة ثابتة، وهو لا يخشى أحدًا (انظر يوحنا18: 8).
- كثيرُ الأفعالُ أو المآثر الحلوة. كثير الأفعال وليس كثير الأقوال نظير الكثيرين اليوم. لقد قيل عن موسى إنه «كان مُقتَِدرًا في الأقوالِ والأعمالِ» (أعمال7: 22)، أما بخصوص الرب يسوع المسيح فنقرأ «عن جميع ما ابتدأ يسُوعُ يَفعَلُهُ ويُعَلِّمُ بهِ» (أعمال1: 1). لقد سبقت أفعاله أقواله، فعاش كما قال وكما علَّمَ (يوحنا8: 25).
خامسًا: هو رمز للرب يسوع المسيح في نُصرته:
- على الشيطان. فهو الذي نَزَلَ وضَرَبَ أسَدًا في وَسَطِ جُبٍّ يومَ الثَّلجِ، وهو في هذا يُعطينا صورة لنصرة المسيح على الشيطان في الجلجثة، يوم الصليب. «نَزَلَ» ومَنْ الذي «نَزَلَ» ليضرب العدو الأشرس (الشيطان)، سوى ربنا يسوع المسيح، الذي احتمل ليلة شديدة البرودة هي ليلة آلامه، ختمها ببرودة الموت، بعد أن قاسى برودة الترك من أحبَّائه، بل وأقسى من ذلك الترك من إلهه في ساعات الظلمة الرهيبة. إن نصرة بَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ تُشير بوضوح إلى نُصرة المسيح على العدو المرعب، في الموقع المرهب، وفي الزمن الأصعب، فما أعظم تلك النصرة!
- ولقد ضَرَبَ بَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ أيضًا اثنين من أقوى رجال موآب؛ أسَدَي مُوآب، أي رَجُلين كالأُسُودِ. والموآبيون يعطوننا صورة للجسد غير المحكوم عليه (تكوين19: 37). ألا يذكرننا هذا بأن إنساننا العتيق قد صُلبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الخطيَّة، كي لا نعود نُستَعبَدُ أيضًا للخطيَّّة (رومية6: 6).
- ولقد أظهر بَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ أيضًا قوته بقتل رَجُلاً مِصرِيًّا ذَا مَنْظَرٍ، ومصر تمثل العالم بما فيه من جاذبية، ولقد قال الرب يسوع: «ثِقُوا: أنا قَد غَلبتُ العالم» (يوحنا16: 33). وكما حدث بخروج الشعب إذ خلص من فرعون (الشيطان)، ومن مصر (العالم) ذي المنظر، هكذا المسيح بعمله أنقذنا من هذا العالم الحاضر الشرير، الذي صُلِبَ لنا وصُلِبنا له (غلاطية1: 4؛ 6: 14).
وهكذا يُمكننا اليوم، بعمل المسيح، الانتصار على كل الأعداء: الجسد، والشيطان، والعالم.
سادسًا: كان الرئيس الثالث للجيش في أيام داود، وكان في فِرقَتِهِ أربعَةٌ وعِشرُنَ ألفًا، وكان من فِرقَتِهِ عَمِّيزَابَادُ ابنُهُ (1أخبار27: 5، 6). والاسم «عَمِّيزَابَادُ» معناه ”شعبي قد أُعطيَّ“ أو ”شعبي عطية“. والاسم يتكلم إلينا عن شعب الله؛ المؤمنين الحقيقيين، أولاد الله، الذين هم عطية الآب للابن كالإنسان المُمَجَّد. ويُذكر 7مرات،
في يوحنا 17، أن المؤمنين هم عطية الآب لابنه (ع2، 6(مرتين)، 9، 11، 12، 24).
سابعًا: هو رمز للرب يسوع في نقمته ودينونته وبطشه بأعدائه، عند ظهوره ومُلكِهِ، فقد رفَّعُهُ سليمان وجعله رئيسًا على الجيش، في بداية مُلكِهِ (1ملوك2: 35)، وهو - أي بَنَايَاهُو - الذي قام بتنفيذ حكم الموت في أدونيا بن حجيث، الذي في أواخر أيام داود أبيه، وبغير أذن من أبيه، ترفَّعَ قائلاً: أنا أَملِكُ (1ملوك1: 5؛ 2: 35). وبَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ هو أيضًا الذي قام بتنفيذ حكم الموت في يوآب بن صروية (1ملوك2: 29-34)، وفي شمعي بن جيرا الذي سبَّ مسيح الرب وكسر الوصية (1ملوك2: 46؛ خروج22: 28؛ 2صموئيل16: 5-8). وهذا يُذكِّرنا بالرب يسوع المسيح الذي سيؤسِّس مُلكه على البر والسلام، وعندما يؤسس ملكوته بالمجد سيبدأ بالقضاء على جميع أعدائه (مزمور45: 5-12)، وسيكون هناك يوم للمجازاة، وفيه سيتحدث إلى البعض بالحياة الأبدية، وإلى البعض بالعذاب الأبدي (متى25: 31-46).