ظهر صديقنا الشاب في المشهد وعلامات السرور على وجهه، وبدا أن عنده الكثير ليقوله لصديقه الشيخ، فاندفع بمنتهى الحماس قائلاً:
- الحقيقة أنني في منتهى السعادة لتلك العادة الجديدة التي اكتسبتها؛ عادة قراءة الكتاب المقدس بانتظام.
# أشعر أنا أيضًا بسعادة غامرة لحماسك لهذا الأمر.
- أستطيع أن أؤكد لك أنها سبب فائدة عظيمة، بدأت ألمسها في حياتي.
# هل يمكن أن تُعدِّد لي بعض هذه الفوائد؟!
- الفوائد كثيرة على كل حال، يكفي أن أقول لك إنه لقربي من كلمة الله أصبحت أجد أساسًا سليمًا أبني عليه قراراتي وأحكم به على تصرفاتي، وقد نتج عن ذلك تغير ملموس في حياتي للأفضل.
# أعتقد أن هذا ما كان يقصده مرنم المزمور حين قال: «بِمَ يزكّي الشاب طريقه؟ بحفظه إياه حسب كلامك» (مزمور119: 9).
- ونجاح هذه العادة في حياتي يدفعني لأن أسألك المزيد من الحديث عن العادات الروحية البنّاءة.
# عظيم! دعني أقدِّم لك عادة ثانية، لطالما أثّرت في حياة الكثير من المؤمنين.
- وما هي؟
# إنها عادة “التحدّث إلى الله”.
- تقصد: الصلاة.
# لا، ونعم!
- ماذا تقصد بلا ونعم في آن واحد؟
# ما أقصده أنني لا أعني الصلاة بالمفهوم المتداول بين الناس، مفهوم أنها فرض يؤدّى بطريقة معينة لمحاولة إرضاء الله، أو أنها مجرد كلمات أتلوها دون وعي أو دون أن تعني ما بداخلي محاولةً لإرضاء ضميري.
- وماذا تقصد بنعم؟
# إني يا صديقي أعني الصلاة بمفهومها الحقيقي كما هو مُعلَن في كلمة الله.
- وما هو هذا المفهوم؟
# هو الحديث الحي المتجدِّد مع الله. حديث يعبِّر عما بداخلي، وما أفكِّر فيه، وما يواجهني من صعاب، وما أحبه، وما أخشاه. حديث الصديق مع صاحبه، كما كان موسى يفعل (خروج33: 11). حديث نابع مما يحدث مني ومعي، حديث كل يوم غير الذي قبله.
- كيف يكون ذلك عمليًا؟
# إن الأمر يبدأ بأن أعرف أن الله يريد أن يسمعني أتحدث إليه. اسمعه وهو يقول بلغة رمزية جميلة: «يا حمامتي في محاجئ الصخر، في سِتر المعاقل، أريني وجهك أسمعيني صوتك؛ لأن صوتك لطيف ووجهك جميل» (نشيد2: 14). فهو يستعذب حديث مؤمن حقيقي نابع من قلبه.
- لأول مرة أرى الصلاة بهذا المفهوم: أن الله يريدنا أن نحادثه.
# بل إنه أحيانًا يعتب علينا أننا كثيرًا ما نتحدث مع الجميع إلاّ هو «الأصحاب يسمعون صوتك؛ فأسمعيني» (نشيد8: 13).
- أعتقد أنني بحق مقصِّر في هذا المجال.
# إذًا، هيا لتعوِّد نفسَك أن تتحدث معه في أي وقت وفي كل مكان.
- أي وقت؟! وأي مكان؟! كيف يمكن أن يكون هذا؟
# يا صديقي، إن الله يسمع حديث القلب الذي لا يمكن لآخر أن يسمعه؛ لذا يمكنك أن تحادثه في خلوتك، أو في سيرك، أو في المواصلات، أو حتى وأنت في وسط الناس. وهو لا يحتاج لأن تكون في مكان محدَّد؛ فهو دائمًا قريب منك أقرب مما تتصور.
- لقد بدأت أفهم كيف يمكن تطبيق القول: «ينبغي أن يُصلّى كل حين» (لوقا18: 1). لكني كثيرًا ما لا أجد مادة للحديث بيني وبينه، فهل أعطيتني بعض الأمثلة عن مادة حديثي معه؟
# احكِ معه عن ما يدور بداخلك بالتفصيل. فإذا كنت - مثلاً - متضايقًا، كلّمه عن سبب ضيقك وكل ما يضيق به صدرك. افعل مثل ذاك الذي قيل عنه: «مسكين إذا أعيا وسكب شكواه قدام الله» (مزمور102: 1).
- وإن كنت فَرِحًا.
# اخبره بما يفرحك. وارجع بالشكر له، أنه رتَّب لك الأمور وأسعد قلبك؛ فهو مصدر كل أفراحنا الحقيقي.
- وفي باقي أحوالي؟
# إن كنت مُقبلاً على تحدٍّ روحي، أو تخشى الوقوع، أو حتى سقطت بالفعل؛ استودع مخاوفك مع ضعفاتك بين يديه، واعترف له بتقصيراتك ونقصاتك، واطلب العون منه. إن لم تفهم جزءًا من الكتاب اسأله فيه. بل إن لم تفهم شيئًا ما في مذاكرتك أو عملك فاطلب منه الفهم. وإن كنت مقبلاً على قرار اسأله قبل أن تتخذه. وإن كلَّمك في عظة أو قراءة، فتجاوب مع كلامه وخذ قرارات بنعمته في محضره. وهكذا، شاركه كل ظروف حياتك.
- وهل من مادة أخرى للصلاة غير ظروفي وأموري.
# بالطبع.. هناك الآخرون. صلِّ من أجل ظروف أصدقاء وأقرباء ومعارف يجتازون ضيقًا. صلِّ من أجل أولئك الذين تعرفهم وهم لم يقبلوا المسيح مخلِّصًا بعد. صلِّ من أجل المؤمنين الذين تعرفهم لكي يزدادوا جميعًا في معرفة الرب. صلِّ من أجل اجتماعك. صلِّ من أجل خدام الرب الذين تعرفهم، ومن لتعرفهم، لكي يستخدمهم الرب بقوة. وكلمة الله توصينا أيضًا أن نصلي من أجل المسؤولين في البلاد (1تيموثاوس2: 1-3). بل الكتاب يعلمنا أيضًا «صلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم» (متى5: 44).
- وماذا أيضًا يمكنني أن أحادث الرب فيه؟
# الكثير يا صديقي. يمكنك مثلاً أن تعبِّر له عن إعجابك بخليقته عندما تنظر جمالاً فيها، وأن تعظِّمه إذ ترى الكون بروعته وهو خليقة يديه. تكلم معه في كل المجالات ولا تكف؛ إنه يحب أن يسمعك.
- لم أكن أعرف أن مجالات الحديث مع الله كثيرة هكذا.
# إذا، دعني أسألك: هل ما زلت لا تجد مادة لحديثك معه؟
- بل إني، والحال هكذا، أعتقد أن اليوم بطوله قد لا يكفي للحديث معه.
# إذًا هيا ابدأ هذه الحياة الممتعة، حياة الصلاة.- آمين، بنعمة الرب.