واحد من أعظم المخلوقات الملائكيه التي خلقها الله، ولم يصل أحد غيره إلى مركزه العالي في حضره الله؛ لكنه طُرد خارجًا، وبعد أن كان نورًا أضحى ظلمةً، وبدل الجمال الكامل صار القبح بعينه، وبعد أن كان في ذات حضره الله، أصبح مصيرة الظلمة الأبدية!!
فمن هو هذا وما سر خرابه وهلاكه؟
إنه “زُهرة بنت الصبح” واحد من أعظم الملائكه الكروبيم والذي أصبح بسقوطه “الشيطان”. و“زهرة” تعنى بالعبريه “هيلل” أي “اللامع أو المضيء”، و“بنت الصبح” تعنى “مثل الكوكب اللامع”.
صفاته وامتيازته كما يعلنها الله
- «أنت خاتم الكمال ملآن حكمة وكامل الجمال». لقد خلق الله هذا المخلوق ملآن حكمة وكامل الجمال، وكان يعكس ضياءه بواسطه أحجار كريمه متنوعة، مثل العقيق الأحمر والياقوت الأصفر.
- «أنت الكروب المنبسط المظلل». فلقد كان واحد من الملائكة الكروبيم، والذين ترتبط خدمتهم وعملهم بالقضاء وتنفيذه. وبينما كانت الملائكة السرافيم تطوي أجنحتها في حضرة الله، مغطّية رجليها ووجهها، كان هذا الكروب يبسط (أي يفرد) جناحيه؛ مما يدل على ما كان له من إمكانيات خاصة.
- «على جبل الله المقدس كنت، بين حجاره النار تمشيت». أي أنه كان قريبًا جدًا من عرش الله، وكان يعاين حضرة الله وقداسته وأيضًا أمجاده النارية «لإن إلهنا نار أكله». فلم يكن في كل الكون من هو أعظم منه إلا الله الذي خلقه، والذي منحه هذا السلطان، وعيَّنه ليكون بالقرب من عرشه («وأقمتك» أي عينتك).
عزيزي.. أليست هذه الظروف الرائعة والجو السماوي والإمكانيات العظيمة تقود صاحبها لحياة السجود الدائم لله العلي والعيشة في خدمته؟ أ وَلا تهيّء لصاحبها حياه في السماء؟
لكن ما حدث.. أن إمكانياته لم تحفظه من الكبرياء والتفكّر في الإثم، ومن ثم الطرد من حضرة الله. والسؤال:
ما الذي فعله هذا الكروب؟ وما هي خطيته؟ وماذا جرى له؟
فى إشعياء14: 12-15 نجد الإجابه: «كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح؟ كيف قُطعت إلى الأرض يا قاهر الأمم؟ وأنت قلت في قلبك: أصعد إلى السماوات، أرفع كرسيَ فوق كواكب الله، وأجلس على جبل الاجتماع في أقاصي الشمال. أصعد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثل العليّ. لكنك انحدرت إلى الهاوية إلى أسافل الجُبِّ».
ويمكن أن نستخلص خمسه أسباب لسقوطه وهلاكه كالآتي:
- أصعد الى السماوات: كان لهذا الكروب الحق أن يمثُل أمام الله في السماوات، لكنه طمع أن تكون هي مقرَّ ملكه الدائم، ونسى أن «السماوات سماوات للرب» (مزمور115: 16). لقد تمرَّد المخلوق وتطاول على من عمله!! فيا له من تطاول!
- أرفع كرسيَّ فوق كواكب الله: لم تصبح مشغولية هذا الكروب بخدمة كرسي الله، لكنه تطلع إلى كرسيه هو، فالخادم يريد كرسي سيده!! فيا لها من نذالة وخيانة!!
- أجلس على جبل الاجتماع: وجبل الاجتماع يعنى “مكان الحكم” الذي فيه يأتي الملائكة ليقدِّموا تقاريرهم إلى الله (أيوب1:6). لقد أراد أن يأخذ هو ذات المكانة. فيا للطمع!!
- أصعد فوق مرتفعات السحاب: السحاب يكلِّمنا عن حضور الله وأمجاده «الجاعل السحاب مركبته» (مزمور104:3). لقد قال الله مرة: «ومجدي لا أعطيه لآخر»، وهذا الكروب المتعجرف يريد أن يأخذ مجد الله شخصيًا. فيا له من اختلاس!
- أصير مثل العلي: ولقد اختار هذا الاسم من ضمن أسماء الله، لأنه يعبِّر عن رفعة الله وسموه؛ فأراد لنفسه ما يخص جلال العلي. فيا له من كبرياء!!
أخيرًا بماذا حُكم الله عليه؟
ما أن تطاول وتكبَّر هذا الكروب المظلَّل على خالقه حتى جاء عليه القضاء الإلهي:
- «أطرحك من جبل الله وأبيدك أيها الكروب من بين حجاره النار». لقد طرده الله من الحضرة الإلهية للنار الأبدية. فيا للخسارة!
- «انحدرت إلى الهاوية إلى أسافل الجب». لقد أراد أن يصعد، لكنه انحدر. ورغب أن يرتفع، فطُرح إلى أسافل الجب؛ لأنه «قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح» (أمثال16:18).
عزيزي.. أليس لنا درسًا وعبرة من هذا المتكبر الساقط والجميل الهالك؟
أولاً: حذار من الكبرياء والزهو والإعجاب بالنفس. فآه مِن تطاول القلب وتمرّده على خالقه. وآه من الوهم الكاذب، بأنك لست في حاجة لله ومحبته وفداءه «أنا غني وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء» (رؤيا3:17)، والظن أنه فى استقلالك عن حياة الله ستصل إلى قمم الجبال وفوق كواكب العلي! حذار فما سقط فيه إبليس يريد أن يوقعك فيه لتكون معه في الجحيم الأبدي.
ألا تصلي معي «احفظني يا الله لأني عليك توكلت، قلت للرب: أنت سيدي، خيري لا شيء غيرك... تعرفني سبيل الحياة، أمامك شبع سرور في يمينك نعم إلى الأبد» (مزمور16:1،2،11).
ثانيًا: حينما أخطأ هذا الكروب، لم يُعِدَّ له الله فداءً بل قضاءً. لكن نعمة الله أعدّت لي ولك، نحن المذنبين، خلاصًا هذا مقداره؛ «لأنه حقًا ليس يمسك الملائكة، بل يمسك نسل إبراهيم» (عبرانيين2: 16). أي أن الله لم يقدِّم يَدَه مخلِّصًا ومساعدًا الملائكة الساقطة (إبليس ومجموعته)، بل ينتظرهم دينونة عظيمة. لكنه قدَّم ابنه على الصليب، وبه يخلِّص كل من يلجأ إليه بالإيمان (للذين يتمثلون بإيمان إبراهيم).
ألا تشعر بنعمة الله المخلِّصة المتجهة لك، ألا تقدِّر معي امتيازنا بخلاص المسيح «ولكن لله بيَّن محبته لنا؛ لأنه ونحن بعد خطاة، مات المسيح لأجلنا» (رومية5: 8).
أرجوك صديقى، أن تستفيد بفرصة الخلاص التي لم يأخذها هذا الملاك الساقط “زهره بنت الصبح”. وحذار أن يخدعك فتكون معه إلى أبد الآبدين في بحيرة النار المُعَدَّة لإبليس وملائكته.
(يتبع)