بينما كان عامل القبور يعد العدة لاستقبال جثة جديدة في المقبرة العامرة بالجثث التي منها القديم ومنها الجديد، وبينما هو ينقل جثة قديمة ليوسع المكان للجثة القادمة، لاحظ العامل لمعان معدني اللون في جمجمة الجثة القديمة التي كان ينقلها. حرَّكه الفضول للتفكير والبحث، فوضع أصابعه مكان اللمعان، فلاحظ وجود جزء معدني خشن تحت أصابعه، وتأكد أنه رأس مسمار حديدي. وباستخدام الكماشة، أخرج العامل مسمارًا كبيرًا طوله 20 سنتيمترًا من الجمجمة. ووضع المسمار في جيبه حتى ينتهي من أعمال اليوم واستقبال الجثة الجديدة.
بعد دفن الجثة الجديدة، بدأ عامل القبور يبحث ويتحرى، حتى عرف صاحب الجثة القديمة التي وجد في جمجمتها المسمار، وكانت لرجل مات منذ حوالي 20 سنة، وكان قد تزوج حديثًا وقتها، وزوجته الآن متزوجة برجل آخر.
في اليوم التالي، عرف عامل القبور عنوان بيت الزوجة مع زوجها الآخر وأولادها. فذهب إليها في منزلها، وهو يخفي المسمار في جيبه. ولما قرع الباب ودخل، استقبلته الزوجة.
ادّعى أنه يعمل وكيلاً لمحامٍ شهير. وبعدما شرب الشاي، قال لها: “أنت زوجة المرحوم: فلان الفلاني”. فأجابت بنعم، وهي تحاول أن تظهر تأثّرها لذكر زوجها السابق، وتخفي عينيها بيديها حتى لا تنهار الدموع منها. فقال لها: المرحوم زوجك السابق ترك ثروة كبيرة تزيد عن المائة فدان، وأنت الوريث الشرعي له. وبينما كانت الزوجه تبدي ذهولها وفرحتها الغامرة لخبر الميراث، كانت تحاول أن تبدو في نفس الوقت حزينه لموت زوجها السابق؛ فقالت: “ليس المهم الميراث، لكني حزينه لموته، لقد ذكَّرتني بالغالي. آه.. كم قلت؟ مائة فدان! لكنه لم يقُل لي أنه كان يمتلك تلك الثروة.. آه يا له من رجل خائن! هم الرجال كلهم هكذا!” فقال لها الرجل: “نعم مائة فدان. ولكن المطلوب فقط أن تحكي لي باختصار كيف مات المرحوم زوجك”.
قالت : “كانت ليلة مشؤومة! تعشّينا معًا، نعم اتذكَّر أننا أكلنا جبنة بيضاء وبطيخ، وبعدها شرب السحلب.. آه السحلب!!” قاطعها الرجل قائلاً: “وماذا بعد السحلب؟” قالت: “لا شيء! بعدما شرب السحلب، وضع يده على قلبه وصرخ قائلاً: قلبي قلبي، ومات في الحال بسكتة قلبية”.
فأخرج عامل القبور المسمار من جيبه سريعًا، ووضعه أماماها قائلاً: “وماذا عن هذا المسمار؟”. صرخت الزوجة في رعب وفزع: “آه المسمار.. هل هذا المسمار ما يزال موجودًا بعد 20 عامًا؟! ظننته انتهي. لقد نسيته! آهٍ.. المسمار ما يزال موجودًا”. وأجهشت في بكاء هيستيري، عرف منه العامل أنها قتلت زوجها السابق بهذا المسمار منذ 20 عامًا؛ لتخلو لها الدنيا لتتزوج زوجها الحالي.
عزيزي القاريء.. عزيزتي القارئة.. مرّت سنوات ظنت فيها هذه الزوجة أن جريمتها قد نُسيت واختفت تمامًا. لكن المسمار كان ما يزال يشهد عن جريمتها! هذه الجريمة التي كانت اقترفتها ضد إنسان، فكم وكم تكون خطايانا التي هي في المقام الأول موجَّهه ضد الله ذاته؟ فما لم نسمع من الله عبارة :«مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ».(مرقس2: 5)، ستظل خطايانا، حتى التي نسيناها، تشهد علينا.
وهذه نبذة مختصرة عن يوم الدينونة والوقوف أما العرش العظيم الأبيض : «ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشاً عَظِيماً أَبْيَضَ، وَالْجَالِسَ عَلَيْهِ الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ! وَرَأَيْتُ الأَمْوَاتَ صِغَاراً وَكِبَاراً وَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ. وَانْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ. وَانْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ الْحَيَاةِ. وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ. وَسَلَّمَ الْبَحْرُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِمَا. وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ. وَطُرِحَ الْمَوْتُ والْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ. هَذَا هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي.وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوباً فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ».(رؤيا 20: 11-15).
1- العرش عظيم: «فَكَمْ عِقَاباً أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقّاً مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ، وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِساً... مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ! ... لأَنَّ إِلَهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ» (عبرانيين 10: 29-31؛ 12: 29).
2-أبيض : تُكشف فيه كل الأسرار«فِي الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يَدِينُ اللهُ سَرَائِرَ النَّاسِ» (رومية 2: 16). «فَلَيْسَ مَكْتُومٌ لَنْ يُسْتَعْلَنَ وَلاَ خَفِيٌّ لَنْ يُعْرَفَ» (لوقا12: 2).
3-المسيح جالس عليه: صار كأسد بعد أن كان كحمل «وَفِي وَسَطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ، مُتَسَرْبِلاً بِثَوْبٍ إِلَى الرِّجْلَيْنِ، وَمُتَمَنْطِقاً عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ... وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ.وَرِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ، كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ» «هوذا الأسد الذي من سبط يهوذا». «أَخْفَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَغَايِرِ وَفِي صُخُورِ الْجِبَالِ، وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَالصُّخُورِ: اُسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ الخروف، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ يَوْمُ غَضَبِهِ الْعَظِيمُ. وَمَنْ يَسْتَطِيعُ الْوُقُوفَ؟» (رؤيا 13:1-16؛ 5: 5؛ 6: 15-17).
4-هروب السماء والأرض: لن يستطيع الخاطي الهروب «لِكَيْ يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ وَيَصِيرَ كُلُّ الْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ اللهِ.»(رومية 3: 19).
5-ظهور نتيجة سفر الحياة: وَانْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ الْحَيَاةِ «افْرَحُوا بِالْحَرِيِّ أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاوَاتِ» (لوقا10: 20).
6-إدانة غير المكتوبين في سفر الحياة من الأسفار: «أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟ وَلَكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَباً فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ الَّذِي سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ» (رومية2: 4-6).
7- الطرح في بحيرة النار: «وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوباً فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ... وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. وَلاَ تَكُونُ رَاحَةٌ نَهَاراً وَلَيْلاً» (رؤيا20: 15؛ 14: 11).
فهل تأتِ معي مصلّيًا وطالبًا الغفران الإلهي؟
صلاة:
يا رب.. خطاياي ما زالت تزعجني كالمسمار.. وانت لأجلي احتملت الصليب والعار.. فسامحني وارحمني من كل علقم ومرار.. واغمرني بسلامك الذي يجري كالأنهار.. آمين.