ما أن رجعت محبوبتي الصغيرة ”ندى“ من المدرسة حتي شعرت علي الفور أن شيئًا ما قد حدث لها؛ فوجهها مكمد ويبدو عليه الحزن، والدموع حبيسة في عينيها. فسألتها: “ما لك يا حبيبة قلبي؟”.
ارتمت ندى علي صدري، وانفجرت في بكاءٍ شديد! ثم فتحت كراستها، وقالت لي: “غلطت يا بابا. أخدت تسعة من عشرة”.
قلت لها: “مش مهم يا حبيبتي،.خلي بالك المرات الجاية”. لكن هيهات.. لقد فشلت كل محاولاتي في إيقاف حزنها ودموعها.
اتصلت علي الفور بالمدرسة التي تُدعى “ميس سامية”، وسألتها: “إيه الحل في الغلطة بتاعة ندي؟”
أجابت ميس سامية وقالت: “أتركني أتصرف، وسوف أحل المشكلة غدًا”.
بدأت ندي تهدأ نوعًا ما. وفي اليوم التالي، ذهبت إلي المدرسة وفي داخلها هواجس عما يحدث..
قالت “ميس سامية” لابنتي ندى: “اقلبي الصفحة اللي فيها الغلطة، واكتبي الدرس من جديد. وخلي بالك علشان ما تغلطيش!”.
كتبت ندي الدرس من جديد، وأعطتها المدرسة عشرة من عشرة ونجمات ثلاث.
رجعت ندى إلي البيت الدموع ما زالت في عينيها!!..سألتها: “إيه تاني.. مش خلاص.. إنتي كتبتي الدرس من جديد وما غلطتيش، وأخذتي عشرة من عشرة؟!”.
قالت ندى والدموع تملأ مقلتيها: “يا بابا، الغلطة موجودة، وأي واحد ها يشوف الكراسة ها يشوف الغلطة”!
وظلت ندى اليوم بطولة حزينة مكتئبة.. ولم أجد وسيلة لإرضائها وتجفيف دموعها.
في اليوم التالي ذهبت إلي المدرسة مع ندى، وقلت للميس سامية: “لو سمحتي ممكن نقطع الورقة اللي فيها الغلطة من الكراس ؟”.. وافقت ميس سامية وقطعت الورقة بنفسها.. ورجعت الفرحة والابتسامة لندى مرة أخرى.
أيها القاريء العزيز.. هذا ذكرني بغفران الله لي ولك؛ فحينما تأتي إليه معترفًا بخطيتك، محتميًا في دم المسيح، تحصل علي غفران عجيب، وتمحى الخطية تمامًا، وكأنّها لم تحدث.
وإليك - قارئي - بعض تشبيهات الغفران من كلمة الله، والتي ستريك أنه حينما يغفر الله خطاياك لا يصبح لها وجود:
1- «كبعد المشرق من المغرب أبعد عنا معاصينا» (مزمور 103: 12).
انظر البعد! وبالطبع لا يمكن أن أُتَهم بجريمة حدثت في بلاد المغرب وأنا أعيش في بلاد المشرق.
2- قال حزقيا الملك، بعدما تمتع بالغفران والشفاء من مرض خطير كاد أن يقضي عليه: «هوذا للسلامة قد تحولت لي المرارة. وأنت تعلقت بنفسي من وهدة الهلاك. فإنك طرحت وراء ظهرك كل خطاياي» (إشعياء 38: 17).
انظر.. إن كل خطاياه - وليس البعض منها فقط - طُرحت وراء ظهر الرب. بمعنى أنه لا يعود يضعها أمام عينيه ليحاسب حزقيا عليها.
3- «أنا أنا هو الماحي ذنوبك من أجل نفسي» (إشعياء 43: 25).
يمحو، أي يمسح. وهنا - قارئي العزيز - نري أن الله بنفسه هو الذي يمحو الخطية.
4- «وخطاياك لا أذكرها» (إشعياء 43: 25).
حينما يغفر لا يعود يذكر. بمعني أنه لا يعود يذكِّرك بخطإٍ قد ارتكبته من قبل.
5- «قد محوت كغيم ذنوبك، وكسحابة خطاياك» (إشعياء 44: 22).
وحينما تنقشع غيمة أو سحابة من الأفق، لا يعود لها وجود مرة أخرى.
6- «يعود يرحمنا، يدوس أثامنا» (ميخا 7: 19).
انظر.. كان يجب أن الله يدوسني أنا نتيجة لخطاياي وآثامي، لكنه إذ غفر لي خطاياي برحمته، فهو الآن يدوس آثامي!!
7- «وتطرح في أعماق البحر جميع خطاياهم» (ميخا 7: 19).
افرح أخي من غُفِرَت خطاياه، فخطاياك في أعماق البحر.
قارئي العزيز.. هل تمتعت بهذا الغفران العجيب؟!
يا من يشعر بثقل خطاياك وآثامك.. تعال حالاً نادمًا علي خطاياك، محتميًا في دم المسيح «الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا» (أفسس 1: 7).