هل تمنيت مرة أن تكون عدد ساعات يومك 40 ساعة بدلاً من 24؟! هل شعرت مرة أن أمورًا هامة وضرورية كان يجب أن تقوم بها ولكن لم تجد وقتًا لها؟ وهل تعترف بصدق أنك تركت الأمور العاجلة تطغى عليك، فأخَذَت وقت الأمور الهامة الضرورية؟
إن الوقت هو مادة حياتنا على الأرض، لذا كتب الحكيم قديمًا «قلب الحكيم يعرف الوقت» (جامعة8: 5). وعندما نتأمل في حياة سيدنا العظيم على الأرض، نراه حكمة الله الكاملة والنموذج الكامل للاستخدام الصحيح للوقت؛ ولذلك عندما أتت الساعة لتنتهي حياته على الأرض استطاع أن يقول بحق لأبيه: «العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يوحنا17: 4).
دعونا الآن نتأمل في هذا الموضوع الهام والخطير.
أولاً: الوقت وأهميته
1- يسير بلا توقف: بينما يمكننا التحكم في أمور كثيرة في حياتنا وإيقافها عندما نشاء، فإن الوقت هو الشيء الذي لم، ولن يستطيع أحد أن يوقفه. لذلك كتب الحكيم سليمان بحق «دور يمضي ودور يجيء والأرض قائمة إلى الأبد والشمس تشرق والشمس تغرب وتسرع إلى موضعها حيث تشرق» (جامعة1: 4، 5).
2- لا يمكن إرجاع ما مضى منه: كثير من الأمور، إن فقدناها، يمكن تعويضها بأشكال مختلفة؛ إلا الوقت، فالذي يمضي منه لا يمكن إرجاعه بأي حال من الأحوال. وبحق قال المرنم «الإنسان أشبه نفخة. أيامه مثل ظل عابر» (مزمور144: 4). وكتب بولس في 1كورنثوس7: 29 «الوقت منذ الآن مقصَّر».
3- لكل شيء زمان ولكل أمر تحت السماء وقت: هذا ما سجَّله الحكيم في جامعة3: 1. فالذي تستطيع أن تفعله في وقت معيّن ولم تفعله، ربما لا تستطيع أن تفعله في وقت آخر. فأمور كثيرة يمكن أن نفعلها في وقت الشباب، ولكن لا يمكن أن نفعلها أبدًا عندما تدور الأيام وتأتي أوقات الشيخوخة؛ لذا قال الحكيم أيضًا «اذكر خالقك في أيام شبابك قبل أن تأتي أيام الشر أو تجيء السنون إذ تقول: ليس لي فيها سرور» (جامعة12: 1).
4- المستقبل هو نتيجة الحاضر: إن قانون الزرع والحصاد (غلاطية6: 7) ينطبق تمامًا على الوقت، فما نعيشه الآن هو النتيجة الحتمية لما عملناه في الماضي، وما سيحدث مستقبلاً هو حصاد ما نزرعه اليوم. أ لم نرى هذا في قصة الغني ولعازر؟ فعندما صرخ الغني في الهاوية وهو في العذاب «يا أبي إبراهيم ارحمني»، كان الجواب «يا ابني اذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا. والآن هو يتعزى وأنت تتعذب» (لوقا16: 24، 25).
5- ينتهي في أي لحظة: إنه الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن نتوقع له نهاية محدَّدة أكيدة، وكما قال أيوب قديمًا عن الإنسان «أيامه محدودة وعدد أشهره عندك، وقد عينت أجله فلا يتجاوزه» (أيوب14: 5). فالله الخالق القدير وحده هو الذي يحدّد نهاية وقت الإنسان على الأرض. وهذا نراه واضحًا في مثل الغني الغبي الذي قال «أقول لنفسي: يا نفس لكِ خيرات كثيرة موضوعة لسنين عديدة»، فقال له الله «يا غبي! هذه الليلة تُطلب نفسك منك، فهذه التي أعددتها لمن تكون؟!» (لوقا12: 19-20).
إن كانت هذه هي أهمية الوقت وخطورة التعامل معه، فدعونا نرى الخطوات الصحيحة للاستفادة منه.
ثانيًا: الوقت والتصرف الصحيح معه
1- تحديد هدف واضح للحياة: لنسمع ما قاله سيدنا العظيم في حياته على الأرض «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله» (يوحنا4: 34). وهذا ما نراه عمليًا في حياته كالخادم الكامل، ولا سيما في إنجيل مرقس حيث كانت الخدمة هي محور وقته، فتكررت كلمة “للوقت” أكثر من 40 مرة، وكُتب عنه مرة أنه هو وتلاميذه «لم تتيسر لهم فرصة للأكل»
(مرقس6: 31).
2- ترتيب الأولويات: إن تحديد هدف واضح في الحياة يُسهّل علينا ترتيب أولويات الحياة، وهذا ما نراه واضحًا في حياة سيدنا الكريم على الأرض. فمثلاً نقرأ عنه مرة أنه «لما صار النهار خرج وذهب إلى موضع خلاء وكان الجموع يفتشون عليه، فجاءوا إليه وأمسكوه لئلا يذهب عنهم» فماذا كان جوابه؟ «قال لهم إنه ينبغي لي أن أبشِّر المدن الأخر أيضًا» (لوقا4: 42-44).
3- التمييز بين الأمور الهامة والأمور العاجلة: إن سطو الأمور العاجلة على الحياة أصبح أكبر معطل للاستفادة الصحيحة من الوقت. وسريعًا ما نُصبح عبيدًا لطغيان الأمور العاجلة. إننا نحتاج أن نتعلم من سيدنا هذا الدرس الهام. فيومًا طلب منه اخوته في الجسد أن يذهب معهم اليهودية في عيد المظال، فكان رده «إن وقتي لم يحضر بعد... أنا لست أصعد بعد إلى هذا العيد لأن وقتي لم يُكمل بعد» (يوحنا7: 2-10).
4- انتظار قيادة وارشاد الرب كل الوقت: لقد صلى موسى قديمًا قائلاً «إحصاء أيامنا هكذا علمنا فنؤتى قلب حكمة» (مزمور90: 12). إننا نحتاج لقيادة إلهية في كل خطوة في حياتنا، وهذا ما نتعلمه بوضوح من سيدنا الكريم الذي نقرأ عنه مثلاً في مرقس1: 35 وسط خدمات مستمرة من الصباح الباكر وحتى مغيب الشمس «وفي الصبح باكرًا جدًا، قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلي هناك». وتم هذا عمليًا في حادثة إقامة لعازر؛ فعندما أرسلت مريم ومرثا إليه قائلتين: «هوذا الذي تحبه (لعازر) مريض»، لم يندفع ويذهب ليشفيه بل مكث يومين في الموضع الذي كان فيه، ثم ذهب في اليوم الرابع بعد أن مات لعازر، لأنه كان يعرف «أن هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله، ليتمجد ابن الله به» (يوحنا11).
5- افتداء الوقت والاستفادة الصحيحة منه: إن أكبر هجوم يشنه إبليس على المؤمنين هذه الأيام هو محاولة خطف الوقت وإضاعته في أمور ليست من أولويات الحياة الضرورية، لذلك تحذرنا كلمة الله «مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة» (أفسس5: 16). ليتنا نتعلم من سيدنا الذي قال «ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار. يأتي ليل، حين لا يستطيع أحد أن يعمل» (يوحنا9: 4).
في الختام ليتنا نُقدِّر قيمة الوقت، ونعيشه بطريقة صحيحة، متعلمين من سيدنا العظيم الذي بحق انطبق عليه القول القديم «صنع الكل حسنًا في وقته».