رأينا في المرة السابقة أن هذا الاسم تسمَّى به أعظم المخلوقات الملائكية، والذي كان ملاكًا كروبًا، يتمتع بالوجود في محضر الله؛ لكن بسبب كبريائه وتطاوله على الخالق، طُرح من جبل الله وأُبيد من بين حجارة النار - محضر الله - ليصبح هو الشيطان. وإبليس يعمل ضد الله محاولاً أن يفسد سبله المستقيمة، موجِّهًا كل طاقته لخداع الإنسان بشهوات مختلفه لإبعاده عن خلاص المسيح، بل يجول ملتمسًا من يبتلع.
والآن.. ما هي قصه هزيمة وهلاك هذا الأثيم؛ مصليًا أن تكون هذه عبرة لك فلا تنخدع منه، ولا تهلك معه.. تعالَ نتأمل في هذه المراحل الأربعة، والتي في كل منها جزء من قصة هلاكه.
أولاً: الوعد الإلهي في القديم (تكوين3: 15)
جاء الشيطان لحواء في الجنة في صورة الحية، وتمكَّن من خداعها، وهكذا سقط آدم وحواء في عصيان الله. وجاء الرب في الجنه ليستر آدم وأمرأته، وفى ذات الوقت ليعلن حكم القضاء على إبليس؛ منبئًا بمجيء الفادي المسيح، قائلاً «هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه». والمقصود بـ“هو” نسل المرأه، ربنا يسوع. «لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأه» «غلاطية4: 4). وتم هذا الوعد بعد آلاف السنين حينما سُحق إبليس وهُزم في صليب ربنا يسوع.
ثانيًا: تجسّد ابن الله العظيم (عبرانيين2: 14)
وجاء اليوم الموعود، ووُلِد ربنا يسوع حسب الجسد. وإن كان في حياته عمل وعلّم الكثير، لكنه أيضًا أعلن عِدّة مرات أنه أُظهر لكي ينقض أعمال إبليس.
- في بداية خدمته: أُصعد من الروح لكي يجرَّب من إبليس أربعين يومًا في البرية. لكن الرب يسوع، الإنسان الكامل، أشهر سيف النصرة، مستندًا على قوة الكلمة مكرِّرًا «لأنه مكتوب». ثم فارقه إبليس إلى حين.
- في نهاية خدمته: أعلن الرب يسوع ثلاثه مرات هزيمه الشيطان ودينونته. «الآن دينونه هذا العالم. الآن يُطرح رئيس هذا العالم خارجًا» (يوحنا12: 31). «رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء» (يوحنا 14: 30). «رئيس هذا العالم قد دين» (يوحنا 16: 11).
ثالثًا: صليب المسيح وهزيمة الأثيم (كولوسي2: 15)
وجاءت ساعة المعركة الحاسمة في الجلجثة؛ يوم أن مضى ربنا ليُصلَب بكامل اختياره، ليتمِّم مشورة الله المحتومة، وفي ذات الوقت يربط القوي - الشيطان - وينهب أمتعته. ولم يكن هذا أمرًا مجهولاً لدى سيدنا؛ فلقد أعلن لصالبيه «هذه ساعتكم وسلطان الظلمة» (لوقا22: 53).
ورغم أن إبليس أهاج الجمع قائلين: «أصلبه.. أصلبه»، وفعلاً صُلب ربنا يسوع، ومات، ودُفن؛ والخصم قد ظَنَّ بأنه ظفر؛ إذ دُفِنَ الربّ يسوع وخُتم الحجر!!
ولكن المفاجأة المذهلة لإبليس كانت أن الرب يسوع لم يَقُم من القبر فقط، لكنه تمَّم القول «يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس» (عبرانيين2: 14). بل وأكثر من ذلك، أن الرب يسوع جرَّده من كل ما له من نفوذ «إذ جرَّد الرياسات والسلاطين، أشهرههم جهارًا ظافرًا بهم فيه (الصليب)» (كولوسي2: 15).
إننا فخورون بربنا يسوع المسيح، الأسد الخارج من سبط يهوذا، بطل الجلجثة والصليب. يا ليتنا نعطيه المجال ليكون بحق سيدي وسيدك، ونحتمى فيه «اسم الرب برج حصين، يركض إليه الصدّيق ويتمنَّع» (أمثال18: 10). وبه، ومعه، على الأسد والصل نطأ، الشبل والثعبان ندوس.
رابعًا: مجيء المسيح وطرح إبليس في جهنم (رؤيا20: 10)
كان تجسد ربنا يسوع وصلبه بمثابة إعلان النصرة على إبليس، لكن في مجيء ربنا يسوع من السماء سيكون التنفيذ النهائي. فبينما يأخذ المسيح مفدييه إلى السماء، ونكون معه كل حين، ستنصبّ الأحكام والويلات على هذا المتمرد الأول والهالك الأكبر:
- سيُطرح من السماء (رؤيا 10: 7-12): بعد اختطاف المؤمنين إلى السماء، نقرأ عن حرب ستحدث في السماء (سماء الطيور والفلك) بين إبليس وملائكته وميخائيل وملائكته، والتى ستنتهي بهزيمة إبليس وطرحه الى الأرض. وحينئذٍ تترنم السماء قائلة «الآن صار خلاص إلهنا وقدرته وملكه وسلطان مسيحه، لأنه قد طُرح المشتكي على إخوتنا». فيا له من إنتصار!
- سيُطرح في الهاوية (رؤيا20: 1-3): بعد ظهور ربنا يسوع المسيح، سيأتي ملاك قوي معه مفتاح الهاوية ويقيّد إبليس «وطرحه في الهاوية وأغلق عليه... حتى تتم الألف سنة». فيا له من عار لذاك الجبار!
- سيُطرح في الجحيم الأبدي (رؤيا20: 10): يقول الكتاب المقدس إنه بعد الألف السنة، يُحَلّ إبليس من قيده، ويخرج من الهاوية أيامًا قليلة، ثم يُقبض عليه للمرة الأخيرة. فنقرأ «وإبليس الذي كان يضلّهم، طُرِحَ في بحيرة النار والكبريت، حيث الوحش والنبي الكذاب، وسيعذَّبون نهارًا وليلاً إلى أبد الآبدين». فيا له من دمار!
القارئ العزيز
هكذا سيهلك الكروب المظلَّل. سيهلك الجميل والمغنّي القديم.. صاحب القلب المتكبِّر والفكر المتجبِّر. هذه هي نهاية إبليس الذي أضل الكثيرين، وأغوى بالجمال والشهوة، وأضل بالمال والشهرة. أراد أن يصعد فوق كواكب العلي، فانحدر إلى أسافل الجُبِّ، واهتزت الهاوية لقدومه. كذب على الكثيرين، وقيَّدهم، بل وذبحهم حينما استسلموا له، ولم يتركهم إلا في جوف الهاوية بلا رجاء.
إنني أصرخ إليك بحقِّ الأبدية الطويلة:
اهرب الآن من يده أرجوك!
اهرب إلى المسيح المحبّ، والحمل المذبوح، الذي جاء متجسدًا «لكي ينقض أعمال إبليس» (1يوحنا3: 8)، و«ويبيد بالموت (في الصليب) ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس، ويعتق أولئك الذين... كانوا... تحت العبودية»
(عبرانيين2: 14، 15).
نعم يقدر أن يحررِّك الآن ويطهِّرك بدمه الكريم. إنه الأسد الغالب، سيمتعك بوجوده في حياتك فالشرير لا يمسَّك. وأخيرًا أعد لك في بيت الآب مسكنًا لتكون معه إلى الأبد.