ساندرا فتاة رائعة، في الخامسة عشرة من عمرها. كانت ساندرا رقيقة وجذابة، ومطيعة لوالديها، تحبهما حبًا شديدًا. دخلت الأم إلى المستشفى لعدة أيام، لإجراء بعض الفحوصات الطبية التشخيصية للتأكد من سلامتها الصحية؛ فأصرت ساندرا على الذهاب معها، والبقاء دائمًا بجوارها، وقضاء الليل معها كمرافق بالمستشفى.
في الصباح، أحضرت ساندرا باقة جميلة متناسقة من الورد، وبدأت تنسق الورد في الزهرية الموضوعة بحجرة أمها.
كانت الممرضة تراقب ساندرا باهتمام شديد، وإذ بدأت ساندرا تضع الورد في الزهرية، اقتربت منها الممرضة، وهمست في أذنها قائلة: إنها باقة ورد جميلة حقًا، لم أرَ أجمل منها من قبل؛ لهذا ساقترح عليك أقتراح، وأرجو ألا تتضايقي مني؟
قالت ساندرا: وما هو اقتراحك؟!
قالت الممرضة: يا بنتي، رغم أنك تحبين أمك، ورغم أنها إنسانة رقيقية وحساسة، ولا بد أنها ستسعد بالورد هذا؛ ولكنك أنت شابة تحبي الجمال والرائحة العطرة. انتظري سأحضر لك زهرية آخرى تضعي فيها الورد، وتحتفظي بها لنفسك، حتى يذبل. ثم بعدما يذبل الورد، تضعينه في زهرية ماما، كورد مجفَّف. فما هو رأيك؟!
نظرت ساندرا إلى الممرضة، بكل غضب واندهاش، محاولة أن تفهم هل هي جادة في ما تقول. ولما لم تفهم شيئًا من وجه الممرضة، صرخت فيها قائله: ماذا تقولين؟ هل أنت إنسانة طبيعية؟ أم تمزحين! كيف أقدِّم لأمي الزهرية بعدما يذبل الورد؟!
ابتسمت الممرضة ابتسامة عريضة، وقالت لساندرا: هذا ما توقعته منك يا عزيزتي. رأيتك تحبين أمك كثيرًا، وأدركت أنك لن توافقي أن تقدمي لها الزهرية بعدما يذبل الورد. إنك ابنة وفية وحنونة ومحبة؛ لأنك أصررتِ على تقديم أجمل ما لديك لوالدتك المريضة، تقدمين لها الورد فى نضرته بجماله ورائحته الذكية، ولم تفكري فى متعتك أنت به، ولم تنتظري حتى يذبل، لئلا يُحسب هذا إهانة لها، وعدم محبة ووفاء. لكنني أودّ أن أسالك: هل قدَّمت ورود وزهور شبابك لله، أم تنتظري بعدما يذبل الورد؟ هل تحتفظين بالورود الجميلة لك حتى تذبل، لتقدميها بعد ذلك لإلهك الذي يحبك محبة أعظم من محبة أمك لك؟
سألت ساندرا الممرضة: وكيف أقدِّم وردة حياتي لله قبل أن تذبل؟
أجابتها الممرضة: إلهك يطلب قلبك وحياتك وأنت شابة صغيرة، مملوءة حيوية ونضرة. لكنك إن أخَّرتِ نفسك عنه حتى تتقدمي في الأيام إلى الشيخوخة، فتقدمين لله حياتك بعد أن تفقدي حيويتك ونضارتك بعدما يذبل الورد.
ألا تجدين في هذا أيضًا أهانة له؟
فهمت ساندرا المعنى، وتذكرت الآية التي سمعتها قديمًا في مدارس الأحد: «فَاذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ أَيَّامُ الشَّرِّ أَوْ تَجِيءَ السِّنِونَ إِذْ تَقُولُ: لَيْسَ لِي فِيهَا سُرُورٌ» (جامعة12: 1). وتذكرت أن الرب يسوع مات على الصليب في شبابه لأجلها؛ فأعطت شبابها وقلبها بالكامل للمسيح. وهي الآن تخدمه بكل أمانة، ولم تنتظر بعدما يذبل الورد.
ولكن لماذا يوصينا الله أن نذكره في سن الشباب؟
- الشباب وقت التغير: «يَعُودُ إِلَى أَيَّامِ شَبَابِهِ» (أيوب33: 25)، «فَيَتَجَدَّدُ مِثْلَ النَّسْرِ شَبَابُكِ» (مزمور103: 5). فهل صرت خليقة جديدة في المسيح
(2كورنثوس5: 17؛ مزمور51: 10)؟ - الشباب وقت الشهوة: «الشَّهْوَةُ تَبْطُلُ» (جامعة12: 5)، «أمَّا الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا» (2تيموثاوس2: 22)، «هَأنَذَا قَدِ اشْتَهَيْتُ وَصَايَاكَ» (مزمور119: 40).
- الشباب وقت دراسة الكتاب المقدس: «بِمَ يُزَكِّي الشَّابُّ طَرِيقَهُ؟ بِحِفْظِهِ إِيَّاهُ حَسَبَ كَلاَمِكَ» (مزمور119: 9).
- الشباب وقت الخدمة الروحية: «فدخل الشباب... فحملوها خارجًا» (أعمال5: 10)، «تبعه شاب لابسًا إزارًا» (مرقس14: 51)، «اذهب بهذا الشاب إلى الأمير» (أعمال23: 17، 18، 22).
- الشباب وقت الذكاء والمعرفة: «لتعطي الجهال ذكاء والشاب معرفة وتدبرًا» (أمثال1: 4)، «لأعرفه (المسيح)» (فيلبي3: 10).
- الشباب وقت القوة: «فخر الشبان قوتهم» (أمثال20: 29)، «كسهام بيد جبار، هكذا أبناء الشبيبة» (مزمور127: 4)، «فِتْيَانًا لاَ عَيْبَ فِيهِمْ حِسَانَ الْمَنْظَرِ حَاذِقِينَ فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَعَارِفِينَ مَعْرِفَةً وَذَوِي فَهْمٍ بِالْعِلْمِ» (دانيال1: 4).
- الحداثة والشباب باطلان: «فَانْزِعِ الْغَمَّ مِنْ قَلْبِكَ، وَأَبْعِدِ الشَّرَّ عَنْ لَحْمِكَ، لأَنَّ الْحَدَاثَةَ وَالشَّبَابَ بَاطِلاَنِ» (جامعة11: 10)، وهو حتمًا سينتهي فلتستغله ولتذكر الرب فيه (جامعة12: 1).
- الشباب ربيع الحياة: يقدِّم الجامعة لوحة أدبية رائعة للشيخوخة في جامعة12 فيقول: «قَبْلَ مَا تَظْلُمُ الشَّمْسُ (حرارة وحيوية الشباب) وَالنُّورُ (الذهن) والْقَمَرُ (الجمال) والنُّجُومُ (الشهرة والصيت) وَتَرْجِعُ السُّحُبُ بَعْدَ الْمَطَرِ (ضياع الفرص)».
- المسيح مات في شبابه لأجلك: فلقد مات المسيح في سن الشباب (33سنه وأشهر) «ضَعَّفَ فِي الطَّرِيقِ قُوَّتِي. قَصَّرَ أَيَّامِي. أَقُولُ: يَا إِلَهِي لاَ تَقْبِضْنِي فِي نِصْفِ أَيَّامِي. إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ سِنُوكَ مِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ. وَأَنْتَ هُوَ وَسِنُوكَ لَنْ تَنْتَهِيَ» (مزمور102: 23-28؛ انظر لوقا23: 27-32).
عزيزي الشاب.. عزيزتي الشابة..
هل قدمت شبابك للمسيح؟
هل تُقبل إليه الآن؟
صلاة:
يا من لأجلي مُتَّ في عمر الشباب.. واحتملت أقسى أنواع الهول والعذاب.. أهديك قلبـي الذي أمام صليبك قد ذاب.. فاقبلنـي وأستخدمنـي يا رب الأرباب.. آمين