أمسكت سيدة في يدها اليسرى بيضة شهية، مقدِّمة إياها لقطّتها، التي كانت معروفة بشغفها بأكل البيض، لدرجة أنها كانت تقيم الدجاجات من مكانها لتأكل ما تحتها من بيض. وقد كنا نعتقد أن القطة ستندفع إلى البيضة لتلتهمها مع جزء من يد السيدة. لكن كم كانت دهشتنا، إذ شاهدنا القطة تتردد كثيرًا جدًا، إذ كانت تخطو للأمام خطوة ثم تعود للخلف خطوتين. وعندئذ اكتشفنا أن القطة لم تتقدم لتأخذ البيضة الشهية المقدَّمة لها باليد اليسرى، لأنها نظرت إلى الناحية الأخرى، إلى اليد اليمنى، حيث كانت السيدة تمسك بعصا. حقًا، كانت هذه القطة حكيمة لأنها نظرت إلى الناحية الثانية.
أحبائي.. إن الناحية الأولى قد تجذب.. لكن آه من الناحية الأخرى؛ حيث من الممكن أن تلسع كالحية. فالخطية تغوي وتجذب، لكن النتائج المرة فوق كل وصف. والشيء الذي يبدو مُبهجًا جميلاً، يصبح مثل حية سامة يحتضنها المخطئ. ولهذا أوصانا الحكيم في سفر الأمثال «لاَ تَنْظُرْ إِلَى الْخَمْرِ إِذَا احْمَرَّتْ، حِينَ تُظْهِرُ حِبَابَهَا فِي الْكَأْسِ وَسَاغَتْ مُرَقْرِقَةً. فِي الآخِرِ تَلْسَعُ كَالْحَيَّةِ وَتَلْدَغُ كَالأُفْعُوانِ» (أمثال23: 31، 32). فالناس ينظرون إلى الكأس الجميلة، لكن المجرِّب يحجب الناحية الثانية.
نعم الخطية تخدع هكذا قال الرسول بــولس: «الخـطــية خدعتني» (رومية7: 11). فهي تخدع لأنها توهم الإنسان أنها تمنحه البهجة، والشبع والسرور؛ وعندئذ يتهافت المرء عليها بأشكالها المختلفة ليروي ظمأه. لكنه يجد أنه ازداد عطشًا وفراغًا، وكلما ازداد شربًا ازداد عطشًا، كشارب الماء المالح. ونستطيع أن نشبهها بالنائم الذي يرى أحلامًا مفرحة، فإذا استيقظ ذهب فرحه.
ونعم النتائج مدمِّرة يومًا سُئِلَ مهندس وطبيب ومحامٍ عن رأيهم في الخطية، فجاءت أجوبتهم كالآتي:
ققال المهندس: “الخطية دمار هائل”.
قال الطبيب: “ الخطية مرض فظيع”.
قال المحامي: “ الخطية تعدٍّ على القانون”.br>
فالعدو يخبئ ناحية في كل تجاربه، ويظهر ناحية. والناحية التي يظهرها فيها الإغراء والإغواء، ويُسلط فيها كل عوامل الترغيب. وهو يعطي ما يعد به، فهو يقدِّم الخطية في صورة قرص من العسل، وعندما يتناولها الشخص بشغف يجد أن هناك جزءًا آخر لم يكن مرئيًا لكنه مرتبط بالجزء الظاهر، وهو المرارة بعينها. لقد حاول البعض أن يفصلوا هذا الجزء عن ذاك، فلم يستطيعوا؛ فالجزءان مرتبطان ببعضهما ارتباطًا وثيقًا.
والآن تعالوا بنا لنرى هذه الحقيقة:
1- تجربة المرأة
وقف المُجَرِب أمام المرأة يُغريها بالأكل من الشجرة، وقد كانت بالأمس شجرة عادية، لكنها اليوم جيدة للأكل وبهجة للعيون وشهية للنظر. لكن هناك ناحية أخرى، غطَّاها الشيطان تمامًا. نظرت المرأة إلى ثمرة الشجرة التي ستفتح ذهنها لتعرف الخير والشر، لكنها لم تلتفت إلى عصيان الرب الإله الذي كان سيُنتج الموت والعري والخوف والشقاء والحزن. ولكنها بعد ذلك رأت، ويا لهول ما رأت! حيث الطرد من الجنة، والوجع، والتعب. فكيف أنبتت الأرض الشوك والحسك، وكيف كان العرق غزيرًا على الجبين، وكيف قام أحد أولادها على أخيه وذبحه وقتله. حقًا أُغويَت ولم تنظر إلى الناحية الأخرى.
يُحاول المجرِب أن يقنعنا أن الفعل الذي نُغوى به ليس خطأً، أو ليس خطأً كبيرًا. فمثلاً قد يَرُد لك مسؤول في شباك تذاكر السكك الحديدية بضعة جنيهات خطأً بالزيادة، فتقول لنفسك: “بسيطة، فهم يجنون أرباحًا كثيرة”، أو تقول: “هذه الجنيهات لا تُقدِّم ولا تؤخِّر”، أو تقول: “اشتريت مرة تذكرة ولم أستخدمها فهذه بتلك”، أو “فقدت مرة تذكرة سفر، ولم يصدّقني المسؤول ودفعت بدلاً منها، وهذه ترجع لي كأول دفعة”. ولكن كن أمينًا مع نفسك وانظر إلى الناحية الأخرى.
22- تجربة عَخَانمَرَّ عخان في طرقات مدينة أريحا مع صفوف المقاتلين، لكن شيئا برَّاقًا جذب نظره،
فتأخَّر عن الصف. رأى رداءً شنعاريًا نفيسًا، ومئتي شاقل فضة ولسان ذهب وزنه خمسون شاقل. وآه من سحر الذهب، إنه يجذب إليه القلب! وها هو يتقدم، مأخوذًا بذلك الجمال. لقد نظر إلى هذه الثروة التي ستملأ بيته وتُريحه سنين عديدة، وستكون لبيته وبنيه من بعده، لكنه لم ينظر إلى الناحية الأخرى، حيث هزيمة شعب الرب، وذوبان قلب الشعب أمام عاي، وموت نحو 36 رجلاً. لم ينظر إلى الناحية الأخرى حيث عصيانه لقول الرب، الذي كان سيأتي ببنيه وبناته وكل ما له إلى الحرق بالنار والرمي بالحجارة في وادي عخور، أي وادي التكدير.
3- تجربة سارق الكرم/strong>
أبصر آخاب كرمًا مجاورًا لقصره، واشتهى أن يضمّه إلى ملكه، فرفض نابوت صاحب الكرم. كان الجانب الأول من التجربة هذا الكرم، لكن من الناحية الأخرى كانت هناك كوارث، حيث أتى كلام الرب للملك عن طريق إيليا: «هل قتلت وورثت أيضًا؟ ... في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت تلحس الكلاب دمك أنت أيضًا» (1ملوك21: 19).
4- تجربة جيحزي
رفض أليشع، بكل إباء، هدايا نعمان السرياني رئيس جيش ملك آرام. لكن جيحزي، غلام أليشع، ركض خلف نعمان وأخذ منه فضة وحُلتي ثياب. كانت هذه هي الناحية الأولى، التي رآها جيحزي أن يشتري بالفضة: زيتون وكروم وغنم وبقر وعبيد وجوارٍ. نعم، لقد أخذ جيحزي الفضة والثياب في صرة، ولم يُدرك ماذا أيضًا في تلك الصرَّة! كان في الصُرَّة أيضًا برص نعمان الذي لصق به وبنسله.
أحبائي.. لكل تجربة غير مقدسة ناحيتين، الأولى شهية، والأخرى مُرَّة، فلنحذر.