بعد أن مات هارون وبكاه إسرائيل ثلاثون يومًا، تركوا جبل هور، وبعد خمسة أشهر وصلوا إلى حدود موآب. وفي أثناء هذه الفترة دارت ثلاثة معارك هي: معركة عراد الكنعاني في حرمة (21: 1-3). ومعركة سيحون ملك الاموريين، فمع أن أرض الأموريين تدخل ضمن عطايا الله لشعبه (تكوين15: 16-21) لكن موسى أرسل ليستأذن سيحون ملك الأموريين للمرور فقط في أرضه، فلم يشأ وخرج لمحاربتهم (21: 21-25). ومعركة عوج ملك باشان الذي خرج للقاء إسرائيل للحرب فدفعه الرب إلى يده (21: 33-35).
وبعد هذا، سمع بالاق ملك موآب بما حدث لملكي الأموريين وباشان؛ فخاف. ومع أن الرب أوصى إسرائيل: «لا تُعادِ موآب ولا تثر عليهم حربًا» (تثنية2: 9)؛ لكن موآب هو الذي أظهر العداوة لشعب الله. عجيب أمر هذا العالم، فمع أننا لسنا في خصومة معه لكنه يبغضنا (يوحنا15: 18-20)!
الشيطان والجولان
من مصر إلى كنعان، والشيطان لا يهدأ ولا يستسلم للهزيمة. فبعد أن حاول في البداية منع الشعب من الخروج من مصر، مستخدمًا قوته المنظورة (فرعون الملك)، وغير المنظورة (الساحران ينيس ويمبريس)، وفشل في هذا، وخرج الشعب وعبر البرية، وها هم على مشارف الأرض البهية؛ فهل يتركهم ليدخلوها ويتمتعوا بثمارها وخيراتها؟ لقد أتى ليُعيد الكَرَّة لثاني مرة، مستخدمًا أيضًا قوة منظورة (بالاق الملك)، وغير منظورة (بلعام الساحر).
عربات موآب وعجب العجابمشهد نرى فيه الآتي:* تحالف شرير مكوَّن من بالاق (المُتلِف)، وبلعام (المُهلِك). فبعد أن رأى بالاق أن الشعب أعظم منه، وأن هناك قوة روحية تعمل لحسابهم، فكَّر في استخدام قوة العالم غير المنظور؛ فاستعان ببلعام العرّاف، ذلك النبي صاحب القلب المتدرب في الطمع، والذي اعمت عينيه أموال بالاق، للدرجة التي فيها لم يرَ أو يسمع أو يفهم ما تفوَّق فيه حماره عنه. والعهد الجديد يوضح شره الممثل في ضلالة بلعام (يهوذا 11)، وطريق بلعام (2بطرس2: 15)، وتعليم بلعام (رؤيا2: 14).
* داخل الخيام يسكن الشعب وينام، وهم لا يدرون شيئًا مما يُحاك ضدهم.
ومن يدري ماذا كانوا يفعلون أو يقولون في خيامهم. هل كانوا يرنمون، أو يرددون أجزاء من الشريعة ليعلموها لأولادهم؟ أشك في ذلك. أم كعادتهم كانوا يتذمرون ويتمرمرون؟ أظن ذلك!
* ولكن فوق الكل، إله محب، في نعمته لا يرى الشعب فيما هم عليه، بل في استحقاق المُحرَقة الدائمة يراهم بلا عيب ولا إثم. وإن تطلَّب الأمر أن يمد يده بالتأديب، كأبٍ لابنه، فهو يحكم ويدين على ما لا يتوافق مع قداسته. لكنه لا يسمح للعدو أن يمد عصاه، أو يفتح فاه، ضد شعبه الذي سبق وفداه.
أقوال في الأمثالمن ثلاثة اتجاهات، ومن فوق ثلاثة أماكن مرتفعة، رأى بلعام الشعب، ووافاه الرب ثلاث مرات، ونطق بأربعة أمثال.
الاتجاهات الثلاثة هي: الجنوب والشرق والشمال، ولم يرَهم من الغرب؛ لأن هذا كان يتطلب عبور الأردن، وهذا مُحال لشخص خاطىء كبلعام.
الأماكن الثلاثة هي: مرتفعات بعل، ورأس الفسجة، ورأس فغور. فعندما نوجد في الأماكن المرتفعة (جو السماويات)، طالبين ما فوق، وقريبين من الرب، وفي شركة معه؛ سنرى إخوتنا كما يراهم الرب: قديسين وبلا لوم، بغضِّ النظر عن حالتهم. فما أجمل المؤمنين في المسيح!
مرات موافاة الرب الثلاثة هي: «فوافى الله (الآب) بلعام»، «فوافى الرب (الابن) بلعام»، «فكان عليه روح الله (الروح القدس)» (23: 4، 16؛ 24: 2). وهنا نرى الله المثلث الأقانيم وهو يبارك ولا يلعن، يتمم وعده ولا يندم، ساهر ليحامي عن شعبه ولا ينام. فما أعظمه إله!
الأمثال الأربعة
في المثل الأول (23: 7-10) نرى صفات الشعب «يسكن وحده وبين الشعوب لا يُحسب»؛ فهو منفصل عن بقية الشعوب وقد اتخذهم الرب لنفسه خاصة. فليت حياة الانفصال تظهر فينا!
في المثل الثاني (23: 18-24) نرى صفات الرب وتبريره لشعبه «ليس الله إنسانًا فيكذب ولا ابن إنسان فيندم... لم يبصر إثمًا في يعقوب.. ما فعل الله». فهو لا يمكن أن يتغير في مواعيده أو عطاياه، أو يكذب، أو يندم، بل يفي بكل ما تكلم به؛ لأن هباته ودعوته هي بلا ندامة (رومية11: 29). فليتنا نتمسك بمواعيده ونتكل على أمانته!
في المثل الثالث (24: 3-9) نرى جمال المؤمنين في نظر الرب (بلعام يرى الشعب لا برؤياه بل برؤيا القدير). وأيضًا ترتيبهم حوله وسكنهم بجوار مصادر الانعاش والبركة (تذكر المياه 3 مرات)، وبالتالي يفيضون على الآخرين لإروائهم «يجري ماء من دلائه (جمع دلو)».
في المثل الرابع (24: 15-19) نبوة عن المسيح في يوم قادم «يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل». فهو كالكوكب، رجاء الكنيسة التي تنتظره ككوكب الصبح المنير (رؤيا22: 16). وكالقضيب، فهو رجاء الشعب الأرضي عندما يأتي كالملك ويحطم أعداءه قبل تأسيس ملكه الأرضي (مزمور2).
دروس للنفوس* عندما قال الرب لبلعام «اذهب معهم» (22: 20)، ثم وافاه وحلّ عليه الروح القدس؛ فليس هذا مصادقة منه على ما يفعله بلعام. بل تعامل معه طبقًا لعناده وشرّه، وليعلن أسمى مقاصد البركة لشعبه في مشهد حماقة النبي.
* في المذابح التي بناها بالاق، والذبائح التي قدمها مع بلعام، نرى أن ليس كل من له معرفة بالصليب (المذابح)، أو بالمسيح في حياته وموته (الذبائح)، ينال رضا الله؛ بل بالإيمان القلبي بالمسيح، وقبوله مخلصًا وفاديًا.
* أمر خطير ارتكبه هذا العرّاف الساحر بلعام، ألا وهو ربط اسم الرب بأعمال سحره؛ فنسمعه يقول «كما يكلمني الرب»، «لا أتجاوز قول الرب»، «الذي يضعه الرب في فمي...». وهذا ما يحدث من بعض من يُدعى اسم المسيح عليهم؛ إذ يأخذون اسم المسيح، وبعض أجزاء من الكتاب المقدس كتعويزة في سحرهم وأحجبتهم!
* أخيرًا: لا تخف أخي المؤمن؛ فكل آلة صوِّرَت ضدك لا تنجح، فالرب ساهر وأنت محفوظ به وله. وإن سقطت أو فشلت فهذا لا يغيّر قصد الله ولا محبته ونعمته من جهتك