شيث هو الابن الثالث لآدم، والذي منه جاء المسيح حسب الجسد، ورقم ثلاثة هو رقم القيامة. وكان قايين قد قتل هابيل أخاه، وهابيل - كما فهمنا من المقالة السابقة - صورة للمسيح الذي رُفض من إخوته، ثم في النهاية قتلوه معلِّقين إياه على خشبة. ولكن بعد موت هابيل جاء شيث؛ وفي هذا صورة للمسيح المُقام من الأموات. لذلك هابيل وشيث هما صورتان لعمل المسيح؛ فهابيل صورة لموت المسيح، وشيث صورة لقيامة المسيح.


إن قيامة المسيح كانت إعلانًا عن نصرته وغلبته على الموت، وأن الموت لا يسود عليه بعد. وكانت أيضًا برهانًا على لاهوته، فهو الذي قال: «لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا» (يوحنا10: 18)، فهو الذي وضع نفسه بإرادته فمات، وأيضًا أقام نفسه من الأموات بإرادته، وفي هذا إعلان عن لاهوته؛ وكما هو مكتوب في رومية1: 4 عن المسيح أنه «تعيَّن (أي ثَبَت وتبرهن أنه) ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات».


كذلك قيامته تعلن صدق أقواله، لأنه تكلم عدة مرات للتلاميذ أنه سيقوم في اليوم الثالث. وهكذا كان كلام الملاك للمريمتين: «ليس هو ههنا لأنه قام كما قال» (متى28: 6).


وفي قيامة المسيح إعلان عن أن الله شبع ورضي واكتفى بعمل ابنه، لذلك أقامه من الأموات. وأيضًا إعلان عن تبريرنا (رومية4: 25)؛ وبقيامة المسيح صار الرجاء حيًّا بالنسبة لنا (1بطرس1: 3)؛ وبقيامته قمنا نحن أيضًا معه. فيا لرفعة وعظمة المسيح المُقام من الأموات، والذي هو الآن حي في السماء لأجلنا!


عندما مات هابيل حزنت حواء وتألمت كثيرًا، ولكن بعد أن جاء شيث فرحت كثيرًا قائلة: «إن الله قد وضع لي نسلاً آخر عوضًا عن هابيل». وهذا أيضًا ما حدث مع التلاميذ، إذ حزنوا جدًا لموت المسيح، ولكنهم فرحوا جدًا لقيامته من الأموات وظهوره لهم. وذلك ما قاله الرب يسوع لتلاميذه بالارتباط بموته وقيامته: «إنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح. أنتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول إلى فرح. المرأة وهي تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت. ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح لأنه قد وُلِد إنسان في العالم. فأنتم كذلك عندكم الآن حزن. ولكني سأراكم أيضًا (أي بعد قيامته) فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم» (يوحنا16: 20-22).


أراد قايين أن يتخلص من هابيل، لكن الله أوجد شيثًا عوضًا عنه؛ مثلما أراد الناس قتل المسيح والتخلص منه، لكن الله أقامه في اليوم الثالث. فهمت حواء أن شيثًا هو تعويض من الله لها بعد موت هابيل، فدَعَت اسمه شيثًا. والمسيح - له المجد - الذي أُهين وتألم وأخيرًا مات، كان لا بُد أن الله يعوِّضه ويكرمه؛ لذلك «أقامه من الأموات، وأجلسه عن يمينه في السماويات، فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة... وأخضع كل شيء تحت قدميه، وإياه جعل رأسًا فوق كل شيء»، وقريبًا جدًا «تجثو باسم يسوع كل ركبة، ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب» (أفسس1: 20-22؛ فيلبي2: 10، 11).


شيث معنى اسمه “تعويض” أو “المعَيَّن”؛ وهو في هذا صورة للمسيح الذي جعله الله وارثًا لكل شيء. لقد قال اليهود عن المسيح: «هذا هو الوارث. هَلُمُّوا نقتله ونأخذ ميراثه» (متى21: 38)، وفعلاً قتلوا المسيح، لكن الله أقامه وجعله وارثًا لكل شيء.


بعد مجيء شيث وُلد له ابن، فدعاه أنوش. حينئذ ابتُديء أن يُدعَى باسم الرب. وعلى الأرجح أنهم بدأوا يدعون الرب بصورة علنية، إعلانًا عن شهادة لله على الأرض؛ وهذا ما تم بعد قيامة ربنا يسوع المسيح وصعوده للسماء وإرساله الروح القدس، حيث تكونت الكنيسة التي تشهد للمسيح على الأرض.


لقد فسد الجنس البشري بسقوط آدم وشر قايين، لكن عندما ظهر شيث في المشهد نجد بداية جديدة؛ وفي هذا صورة للمسيح الذي هو بداية الخليقة الجديدة.
وعندما نقرأ تكوين4، 5 نجد نسلين؛ ففي تكوين4 نجد نسل قايين الشرير، بينما في تكوين5 نجد نسل شيث. وهناك فرق بين النسلين؛ فنسل قايين هو النسل الجسدي الذي يهتم بما للجسد، فنجد الاهتمام بمَسَرَّات الأرض حيث العود والمزمار، وتعدد الزوجات، ثم القسوة والقتل. وحيث إن اهتمام الجسد هو عداوة لله، لذلك لم يُسَر الله لا بقايين ولا بنسله الشرير. ولكن جاء شيث وصار نسله هو النسل الروحي؛ حيث كانوا شهودًا لله على الأرض، وكانوا منفصلين عن نسل قايين، ولذلك صار شيث رأسًا لعائلة جديدة؛ صورة للمسيح الذي هو رأس لجنس جديد. ولقد تم هذا بعد أن وقعت حبة الحنطة في الأرض وماتت لكي تأتي بالثمر الكثير، الذين هم الآن المؤمنون الحقيقيون.


يا ليتنا نتأمل باستمرار، ليس فقط في المسيح الذي مات لأجلنا على الصليب ثم دُفن؛ لكن أيضًا في المسيح الذي قام، وهو الآن في قمة المجد جالس في يمين العظمة في الأعالي، وقد ارتبطنا به فصرنا من عائلة الله وأيضًا باكورة من خلائقه!