“يا ابني ربنا عرفوه بالعقل”. عبارة تسمعها من صديق لصديقه أو من أب لابنه، والقائل يريد أن يحث المستمع على أن يُعمل عقله في أمر ما.
ولكن السؤال هو: هل عرفنا الله فعلاً بالعقل؟!
تذكرت قصة تُروى عن أحد القديسين، كان يحاول أن يعرف من هو الله، ويعرف كل شيء عنه، بالعقل. وبالطبع اصطدم بما لم يكن للعقل أن يصل إليها. وحدث يوم أن حلم حلمًا، وإذ به سائر على شاطئ بحر فوجد طفلاً يجري إلى البحر ليملأ ملعقة ويعود ليصبّها في حفرة صغيرة، ثم يكرر الأمر مرة أخرى. سأله الرجل: “ماذا تفعل يا بُني؟”، أجاب الصغير: “إني أفرغ البحر في هذه الحفرة”. فصرخ فيه: “هل جُننت؟! لا يمكن أن تضع هذا البحر الكبير في تلك الحفرة الصغيرة”! هنا استيقظ، فلام نفسه أنه يريد أن يضع الله الأكبر من البحر كثيرًا، إذ هو خالقه، في عقله الصغير.
قال أحد الفلاسفة قديمًا «أَإِلَى عُمْقِ اللهِ تتَّصِلُ (تصل) أم إلى نِهَايَةِ (كمال) الْقَدِيرِ تَنتَهِي؟ هُوَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ فَمَاذَا عَسَاكَ أَنْ تَفْعَلَ؟ أعمَقُ مِنَ الهَاوِيَةِ فماذا تَدرِي؟ أَطْوَلُ مِنَ الأَرْضِ طُولُهُ وَأَعْرَضُ مِنَ الْبَحْرِ» (أيوب 11: 7-9؛ اقرأ أيضًا 36: 26؛ 37: 23؛ مز 145: 3؛ أمثال 30: 4؛ إشعياء 40: 28؛ رومية 11: 33؛ 1تيموثاوس 6: 16). فإن استطاع العقل أن يصل إلى كل أبعاد الله لَكَان العقل أكبر من الله ليحده، وحاشا أن يكون الأمر كذلك، وإلا لَمَا كان الله هو الله. فلا بد أن يكون الخالق أعظم بما لا يقاس من كل خليقته مجتمعة. والحقيقة أن كل ما أنتجه العقل عن الله لم يكن إلا محض خرافات.
فكيف إذًا نعرف الله؟
صحيح أن الله ليس ضد العقل، والعقل لا يرفضه، غير أننا لا يمكننا أن نعرفه، حقّ المعرفة، إلا عن طريق ما يعلنه هو عن ذاته. وقد تنازل وأعطى البشر كلمته ليعرفوه من خلالها. والأعظم جدًا أنه «حَلَّ بيننا، ورأينا مَجدَه» فمع أن «اللَّهُ لم يرَهُ أحَدٌ قَطُّ» لكن «اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الذي هُوَ في حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ» فأمكن لنا أن نعرفه (يوحنا1: 14، 18؛ اقرأ أيضًا 14: 6، 9؛ متى11: 27).
عزيزي.. هيا اطلب من الله أن يكشف عن عينيك، قُلّ له: “أريد أن أعرفك، فأنت أغلى من يمكن أن يُعرف، ومعرفتك هي الحياة الحقّة”؛ فسيعلن لك عن شخصه من خلال كلمته فتعرفه وتحيا أروع حياة.