«قد جاهدتُ الجهاد الحسن، أكملتُ السعي، حفظتُ الإيمان، وأخيرًا قد وُضع لي إكليل البر، الذي يهبه لي، في ذلك اليوم، الرب الديان العادل، وليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا» (2تيموثاوس 4: 7، 8).
الآن، وقد أوشكت أحاديثنا على النهاية في هذه السلسلة، فإن خير ما نختم به هذا البحث عن “الخدمة والخادم” هو المكافآت والمجازاة لكل مَنْ تعب وخدم.
لقد قال الرب يسوع: «إن كان أحد يخدمني يكرمه الآب». فالآب الذي يحب الابن، يُقدِّر كل مَنْ تعب وضحَّى وأنفق حياته بإخلاص في خدمة المسيح. إنه يُسَرّ بأن يكرم هؤلاء الذين عاشوا لا ليُرضوا أنفسهم أو يحققوا ذواتهم أو يبحثوا عن مجد أو شهرة في هذا العالم، بل كان شعارهم مع المعمدان: «ينبغي أن ذلك يزيد، وأني أنا أنقص» (يوحنا 3: 30).
لقد ضبطوا أنفسهم في كل شيء، وواصلوا في السباق بصبرٍ للنهاية، واحتملوا المشقات والضغوط والمفشِّلات ولم يكلُّوا. قنعوا بالقليل من الترفيه ومصادر الإنعاش الطبيعية، وعاشوا حياة خشنة. حفظوا أنفسهم بلا دنس من العالم، وساروا ضد التيار. وهذا كلَّفهم الكثير من العار والاحتقار. لم ينالوا مدحًا أو تكريمًا هنا، وربما تعرَّضوا لصدمات أو تعنيف، ومع ذلك استمروا بكل تواضع يواصلون الخدمة التي قبلوها من الرب يسوع، واحترموا تكليف السيد لهم، ومدوا البصر إلى كرسي المسيح حيث التقدير الحقيقي. وثقوا أن الله ليس بظالم حتى ينسى عملهم وتعب المحبة التي أظهروها نحوه. كان أمامهم المكتوب: «حاشا لي فإني أُكرم الذين يكرمونني والذين يحتقرونني يصغرون» (1صموئيل 2: 30). فالآب لا بد أن يُكرم هؤلاء إكرامًا يليق به وبالابن الحبيب، هنا في الزمان، بطريقته وفي وقته، وهناك في السماء عن قريب.
لقد أشار الرسول بولس إلى وقوفنا أمام كرسي المسيح بالقول: «لأنه لا بد أننا جميعًا نُظهر أمام كرسي المسيح، لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع» (2كورنثوس 5: 10). وهذا، بالنسبة للمؤمنين، سيتم بعد الاختطاف ووصولنا إلى بيت الآب؛ حيث يستقبلنا الحبيب في الهواء مرحِّبًا بنا، ويدخل بنا إلى بيت الآب، ويتقدَّم ويُتكئنا ويتمنطق ويخدمنا. وقد عبَّر المرنم عن هذا اللقاء والاستقبال بالقول:
إن السعادة حظ سياح السما يأتيهم جند السماء مرنمًاويقول أهلاً بالأُلى تبعوني حملوا الصليب وما استحوا بي في البشر فليجلسوا حولي على عرش الظفر وليشبعوا من نعمة بيميني |
|
يا حُسن يوم وصولهم ذاك الحما ويسوع مسرورًا بهم متبسما
بل ما ابتغوا حظًا سوى اسمي المحتقر وليلبسوا أكاليل مجد قد بهر
|
نعم لا بد أن نُظهَر أمام كرسي المسيح. إنها وقفة فردية «لينال كل واحد... بحسب ما صنع». أي أنها وقفة لكي نُقدِّم حسابًا عن وكالة الحياة، وماذا عملنا في سني حياتنا على الأرض، وكيف استثمرنا الوزنات التي أعطاها لنا السيد.
وعندما يُستعرض تاريخ الحياة، سوف يُقيِّم الرب كل عمل، ويزن كل شيء بميزان الحق، ويحكم بغير محاباة.
وسوف يكافئ الرب الأمناء الذين وقفوا في صفِّه، واحترموه في السر والعلن، ورفضوا التمتع الوقتي بالخطية، وصلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات.
* وسوف يكافئ الذين جاهدوا جهاد الإيمان الحَسن، وتعبوا في خدمة الرب وخدمة النفوس الغالية على الرب، ولم يكلُّوا. أكملوا السعي والسباق لنقطة النهاية، أكملوا المُقَرَّر المطلوب منهم، وكانوا في سباق مع الزمن، مدركين أن الحياة قصيرة. عاشوا حقائق الإيمان المسيحي وتمسكوا بها، ولم ترتخِ أيديهم عنها. هؤلاء لا بد أن ينالوا إكليل البر في ذلك اليوم.
* وسوف يكافئ العطاء المادي، وكل تضحية بالجهد والوقت لأجل الرب والنفوس الغالية، وكأس ماء بارد لن يضيع أجره. وكم من فقراء ماديًا لكنهم أعطوا بسخاء من أعوازهم الضرورية، وشاركوا في عمل الرب واحتياجات القديسين؛ والرب لا يمكن أن ينسى هؤلاء. لقد امتدح مريم التي كسرت قارورة الطيب على قدميه ومسحتهما بشعر رأسها. وقال عنها إنها «عملت ما عندها»، قدّمت أغلى ما تمتلك في الحياة. كذلك امتدح الأرملة الفقيرة التي ألقت في الخزانة في الهيكل فلسين، كانا كل معيشتها، وكان الدافع هو المحبة والتقدير لبيت الرب ورب البيت. فدعونا نُكثر في عمل الرب كل حين عالمين أن تعبنا ليس باطلاً في الرب، ولا نفشل في عمل الخير، فإننا سنحصد في وقته إن كنا لا نكل. وهناك أشياء نستطيع أن نعملها في أي وقت، وأشياء أخرى لا تُعمل إلا في الفرصة المناسبة. وإذا لم نستغل هذه الفرص التي تأتينا فلن تُعمل للأبد. فمريم وحدها قد فازت بالنيشان، وطيب المريمات فاته الأوان.
* وسوف يكافئ الرب كل الذين قدّموا خدمات معاونة، وكل من ساهم في نجاح الخدمة الأساسية. فالإعداد والتدبير والاتصالات ودعوة الآخرين واستخدام التكنولوجيا الحديثة وكل الإمكانيات للمساعدة، لها تقدير خاص عند الرب، وهي جزء أساسي في الخدمة.
* وسوف يكافئ مَنْ احتمل التجارب والآلام بصبر وخضوع وشكر، ومَنْ خاطر أو ضحَّى بحياته من أجل المسيح، وسيعطيهم الرب إكليل الحياة.
* وسوف يكافئ الرعاة الذين اهتموا بإطعام الحملان وحملوا القطيع على قلبهم وسهروا على سلامته وحراسته من كل المخاطر المحيطة، وقاموا بمتابعة النفوس وحل مشاكلها. هؤلاء سينالون إكليل المجد.
سوف يقف بولس أمام كرسي المسيح، وسيكون له فخر وفرح في ذلك اليوم. بينما كم سيخجل ديماس عندما يقف أمامه؛ لقد ترك الخدمة وأحب العالم الحاضر وبحث عن ذاته ليرضيها. وسوف يقف أمام كرسي المسيح موسى الذي رفض التمتع الوقتي بالخطية، ويقف شمشون الذي لم يرفض الخطية، والفارق مهول بينهما. إن كرسي المسيح يُشبه المنصة التي يصعد عليها الفائز لينال المكافأة والجائزة. فدعونا نعمل الأفضل دائما لمجد مَنْ أحبنا وأسلم نفسه لأجلنا، وبالأكثر على قدر ما نرى اليوم يقرُب.