إيدز النخيل، أو سوسة النخيل الحمراء، موطنها الأصلي أسيا، ولكنها دخلت مصر عام 1992. والحشرة هذه تلحق آثارًا ضارة؛ فيمكنها أن تفتك بملايين الأشجار، خاصة أن هناك صعوبة في اكتشاف المرض مبكرًا. والحشرة لها القدرة على الطيران، مما يسهل انتشارها. وتنتشر الآفة الآن في شمال سيناء، حيث يوجد 630 شجرة سيتم التخلص منها، لإستحالة العلاج، و700 شجرة يجري علاجها. والسبب المباشر للإصابة هو عدم وعي المزارعين بخطورة الحشرة، وترك الشجرة المصابة دون رعاية، وعدم الإبلاغ عن الإصابة. ورغم أن الخسارة كبيرة وفادحة وتهمنا، لكن الذي يهمنا أكثر هو الأمراض الروحية التي تصيب المؤمن، الذي هو مشبَّه بالنخلة «الصدّيق كالنخلة يزهو، وكالأرز في لبنان ينمو» (مزمور 92: 12).
مشابهات بين المؤمن والنخلة
(1) الإستقامة والمتانة: المؤمن المسيحي معروف باستقامته؛ فهو “غير محمول” لا بالآثام ولا بمعسول الكلام. ومن الحكايات الطريفة أنه في إحدى المستشفيات، كانت هناك مشكلة بين بعض الأطباء، وكان يعمل في هذه المستشفى طبيب معروف باستقامته وأخلاقه العالية. فما كان من مدير المستشفى إلا إحضار هذا الطبيب أمام الطرفين المتنازعين، وقال أمام الجميع: لقد أشهدت عليكم الدكتور “فلان”. ثم قال مداعبًا الجميع “الدكتور فلان لا هو من دينا ولا من دينكم وأنا أؤمن أنه لا يقول إلا الحق والصدق والإستقامة”. ولا بد أن تخلو حياة المؤمنين من أقل إلتواء «لأن الملتوي رجس عند الرب» (أمثال3: 32).
(2) الإخضرار الدائم: ليس كالعصافة اليابسة التي بلا حياة، بل هو حي ورقيق «أما أنا فمثل زيتونة خضراء في بيت الله» (مزمور52: 8). وسعف النخل يرمز للانتصار والبهجة، لذا كانوا يستعملونه في عيد المظال (لاويين 40:23). فنحن نتبع ملك لا يعرف الهزيمة، ويقودنا في موكب نصرته كل حين.
(3) الإثمار: وللنخلة ثمر حلو، مملوء بالغذاء الكامل. هكذا الصديقون «مثمرين في كل عمل صالح» (كولوسي1: 10). وترتبط الحياة بالثمر. وطالما ارتبطنا بالمسيح، الكرمة الحقيقية؛ فلا بد أن نتأتي بثمر «بهذا يتمجد أبي: أن تأتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي» (يوحنا 15: 8). وكلما اقتربنا من المسيح وشبعنا به، كلما كنا أكثر ثمرًا.
(4) الارتفاع: المؤمن مرتفع وشامخ كالنخلة، في الصعود وليس في النزول؛ فهو يحب المسيح ويهوى الشركة معه، وهناك فوق جبل الشركة يلذّ له الوجود فوق الجبال العالية، حيث الدنايا تصغرُ، مترنِّمًا «الرب السيد قوتي، ويجعل قدميَ كالأيائل، ويمشيني على مرتفعاتي» (حبقوق 3: 19). فحياته سامية وعالية «فإن كنتم قد قمتم مع المسيح؛ فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس» (كولوسي 3: 3).
(5) الرد الجميل: إذا قُذفت النخلة بالأحجار، ردَّت بأشهى الثمار، هكذا الصديق «نُشتم فنبارك، نُضطهد فنحتمل» (1كورنثوس 4: 12)، كما كان يفعل سيدنا في أيام جسده «الذي إذ شُتِمَ لم يكن يشتُم عوضًا» (1بطرس 2: 23)، بل وعندما لطمه واحد من الخدام كانت إجابته الجميلة «إن كنت قد تكلّمت رديًّا فأشهد على الردي، وإن حسنًا فلماذا تضربني؟» (يوحنا 18: 23).
(6) القلب الأبيض: قلب النخلة أبيض؛ هكذا كل من يقبل إلى المسيح يمنحه قلبًا جديدًا «وأعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحًا جديدة في داخلكم» (حزقيال 36: 26).
قلبي الذي بالاصل كان منجَسا بدم المسيح على الصليب تقدَّسا
فعلى الصليب رجاءَ قلبي اُسس وبه أظلُّ على المدى متفرِّسا
فيه تفرس شاكر ممنون
(7) الجذور العميقة: والتي تصل إلى المياه الجوفية، وبقدر تعمّقها إلى أسفل كلما ارتفعت إلى أعلى «يتأصلون إلى أسفل... ويصنعون ثمرًا إلى ما فوق» (إشعياء 37: 31).
للعمق يا إلهي أبتغي المسير هل أبقى كالأطفال أرهب الوصول
وكيف أحيا بالفتاتِ يوميَ ومسيحي منبتٌ عشبَ الحقول
وفي العمق أكتشف ذاتي؛ فبعدما قال الرب يسوع لسمعان بطرس «ابعد إلى العمق»، اكتشف بطرس عظمة المسيح وسلطانه على سمك البحر واكتشف أيضًا ذاته وردائتها؛ فخرَّ عند ركبتي يسوع قائلاً «أخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ» (لوقا 5: 8).
لكن إحذر من الأمراض، الروحية لأن:
(1) المرض صعب الاكتشاف: سألت نفسي مرة: ما سرّ تعاستي وضعفي وقلة تأثيري وندرة ثمري؟! وبعد وقت في فحصي لنفسي، اكتشفت أن سوء استخدامي للإنترنت هو السبب. ساعات كثيرة تُفقَد وليالٍ تضيع، وأدركت ان حب الاستطلاع قادني للدخول في مواقع لا تبنيني بل أفقدتني شهيتي للكتاب وجفَّفت حياتي الروحية.
(2) المرض سهل الانتشار: ينتقل التأثير دائمًا من الأسوأ إلى الأفضل؛ فما أسرع نقل “الصور، والرسائل بالموبايلات”، والنكات والقفشات والحكايات. وما أسهل أن يتشبَّه الشباب ببعضهم، في ملبسهم وقصّات شعرهم وطريقة كلامهم. ومحصلة كل هذا ضعف وسطحية، وعدم غفران وأنانية، بل وقلة الحياة المضحية.
(3) عدم الإبلاغ عن المرض: مشكلة هذه الأيام هي اللامباللاة، وقول الكثيرين منا: “وأنا ما لي”. وقلَّت بيننا العينات المُخلِصة والحكيمة، نظير “أهل خلوي”، والذين عندما سمعوا عن أمراض روحية كثيرة في الكورنثيين أبلغوا على الفور، بحزن وآسى، الرسول الملهم بولس والذي استخدمه الرب في كتابة رسالتين هامتين لكنيسة الله على مر الأيام.
صديقي الشاب: أ رأيت كيف أن سوسة النخل الصغيرة قد تهدم وتتلف النخلة الكبيرة الطويلة؛ لذلك تحذَّر من الأشياء التي تبدو صغيرة لكنها خطيرة!!
وأخيرًا، أتمنى لك ما تمناه يوحنا لغايس وهو: «أيها الحبيب، في كل شيء أروم أن تكون ناجحًا وصحيحًا، كما أن نفسك ناجحة».
ودمتم جميعًا بصحة وعافية، نامين، ومثمرين، لمجد المسيح.