(1صم9- 31)
هو شاول بن قيس من سبط بنيامين، ومعنى اسمه “المطلوب”، أول ملك على إسرائيل. ولم يكن حسب فكر الرب بل بطلب من الناس. ملك 40 سنة، ومات منتحرًا على جبل جلبوع في معركته الأخيرة. ولنا في شخصيته دروس وعبر من حياته ومماته.. كيف سلك؟ ولماذا هلك؟
أولاً: شاول صاحب المنظر الجذاب والقلب الرديء
كان شاول شابٌ، حسن المنظر (1صموئيل 19)، وأطول من كل الشعب. لكن للأسف لم يكن هذا إلا منظرًا خارجيًا فقط، أما قلبه فكان مبتعدًا تمامًا عن الرب، حتى أن الكتاب يصفه «مات شاول بخيانته للرب»، وقال عنه الرب «رجع من ورائي ولم يُقِم كلامي».
ما أكثر أولئك الذين لهم المظهر الجذاب والقلب الكذاب! قال عنهم المسيح «تشبهون قبور مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملؤة عظام أموات وكل نجاسة» (متى 3: 27). أحبائي.. لنحذر من الانخداع من المنظر الخارجي مهما كان جميلاً «أما الرب فإنه ينظر إلى القلب».
ثانيًا: شاول العنيد.. صاحب الكلمات الحلوة والأفعال المرة
منذ أن ظهر شاول في المشهد ظهرت فيه الذات والعناد، فكان:
1. شخص يفعل أي شيء، بل وكل شيء، لنفسه وليس للرب. «وأختار شاول لنفسه ثلاثة آلاف..» (13: 2)، «وإذا رأي شاول رجلاً جبارًا أو ذا بأس ضمه إلى نفسه» (14: 52).
2. يفعل ما يراه هو وليس ما يريده الرب. قال له الرب: اذهب حارب عماليق وحرِّم كل ما له. لكن شاول نفَّذ نصف الوصيه فقط «وعفا شاول والشعب عن أجاج و عن خيار الغنم» (15: 3، 9).
3. أراد أن يخلِّد ويعظِّم نفسه، فنصب لنفسه نصبًا (15: 12)!! وهذا ما يبغضه الرب وأوصى قائلاً «لا تقم لك نصبًا، الشيء الذي يبغضه الرب إلهك» (تثنية 16: 22).
ورغم كل هذه الحماقات تسمعه يتشدق بالكلمات الروحية الرنانة، فتسمعه يقول «قد أقمت كلام الرب»، «ذهبت في الطريق التي أرسلني فيها الرب» (15: 13، 20). ما أصعب أن يعيش الفرد مخدوعًا بكلمات دينية رنانة بينما هو يسلك حسب شهواته الردية، وما أروع أن يخضع القلب للسيد قائلاً له: «ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت» (متى 26: 39).
ثالثًا: ملك شعب الرب، يقتل كهنة الرب!!
لا عجب ممن يعيش لذاته أن يتملكه إبليس، فيصبح قاتلاً مجرمًا. وقد ظهر شاول على حقيقته، قاتلاً لكل من يحب الرب. فحاول قتل داود أكثر من مرة، وحاول قتل ابنه يوناثان، بل وقتل كل كهنة الرب 85 كاهنًا، لا لجريمة فعلوها بل لأن واحد منهم طلب من الرب لأجل داود! فهو لم يقتل أعداء الرب (أجاج) لكنه قتل خدّام الرب (22: 18). والأمر الغريب أنه لم يشعر بأي ذنب لهذه الجريمة البشعة.
والكتاب يقول «أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبديه ثابتة فيه» (1يوحنا 3: 15). فيا للخساره الأبدية! إن شاول لم يرجع إلى الرب ويخلص، لكننا نقرأ في العهد الجديد عن شاول آخر تقابل معه المسيح وخلَّصه فقال «أنا الذي كنت قبلاً مجدِّفًا ومضطهِدًا ومفتريًا، ولكننى رُحمت... المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلِّص الخطاة الذين أولهم أنا» (1تيموثاوس1: 13).
رابعًا: تنبأ بين الأنبياء وعاش حياه الأردياء
يا له من تناقض صارخ في حياة هذا الخاطئ العنيد؛ نجده يتكلم عن الله وخلاصه، بل ويجلس وسط الأنبياء ويتنبأ بينهم (19: 1، 24)، لكنه على النقيض عاش أردأ حياة، ونطق بأفظع الألفاظ والشتائم. ومن هنا نستنتج الآتي:
1. قال الرب يسوع «ليس كل من يقول لي يارب يارب يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يفعل إِراده أبي» (متى 7: 21، 23).
2. التنبؤ ليس دليلاً على الإيمان ونوال الحياة الأبدية. وشاول أعظم دليل!! هذا ما أكَّده ربنا «كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب أليس بأسمك تنبأنا... فحينئذٍ أصرح لهم إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عنى يا فاعلي الإثم» (متى7: 22).
3. وجود الخاطي وسط المؤمنين ومصاحبتهم لا يغير قلبه، ولا مصيره الأبدي. فالسيد أمر عبيده أن يتركوا الزوان ينمو وسط الحنطة حتى يأتي يوم الحصاد، حيث سيُحزم الزوان ويُحرق وتدخل الحنطة إلى مخزنه (متى 13: 30).
عزيزي.. أحذّرك بشدة ألا تنخدع بمظاهر وكلمات دينية زائفة تحياها دون تغيير وولادة حقيقية من الله، «الحق الحق أقول لك أن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يري ملكوت الله» (يوحنا3: 3).
خامسًا: ومات شاول بخيانته للرب
كلمة لا نحبّها ولا نقبل من يعيشها وهي “الخيانة”، سواء بين الأصدقاء أو الأزواج. فما بالك حين يخون إنسان إلهه !! هذا ما فعله شاول، وهذا هو تقرير الله عن هذا المسكين الهالك. فبعد أن أكرم الله شاول وجعله ملكًا، وأعطاه انتصارات كثيرة؛ فبدلاً من أن يكرم شاول الرب، نجده يخونه ويهينه في أمرين خطيرين:
1. «فمات شاول بخيانته... من أجل كلام الرب الذي لم يحفظه» (1أخبار 10: 13). ويقصد بالحفظ احترام وتنفيذ كلمات الرب التي أوصاه بها من جهه أجاج الشرير والقضاء عليه، ومن جهه عدم التسرع وتقديم الذبيحة، لكنه فعل العكس تمامًا. فما أخطر أن يدوس إنسان كلام إلهه! «أما المستمعُ لي فيسكن آمنًا، ويستريح من خوف الشر» (أمثال 1: 33).
2. «وأيضًا لأجل طلبه إلى الجان للسؤال ولم يسأل من الرب فأماته». ملك إسرائيل - شعب يهوه - يذهب ليسأل ساحرة صاحبة جان، وهو الذي يعرف شريعة الرب التي تقول إن الرب يجعل وجهه ضد تلك النفس التى تلتفت للسحرة (لاويين 20: 6).
عزيزي.. هذه باختصار قصة شاول الملك الذي عاش لذاتِهِ وفى عناده للرب، سالكًا في شروره، رافضًا الله المحب، مستسلمًا لإله هذا الدهر- إبليس - الذي دمّر حياته وأبديته. ولا تتعجب فكل منا مثل شاول «الذين نحن جميعًا تصرفنا قبلا ًبينهم في شهوات جسدنا عاملين مَشيئات الجسد والأفكار... الله الذي هو غني في الرحمة، من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها، ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح» (أفسس 2: 3).
فهل تسرع إلى مخلِّص النفوس، الرب يسوع المصلوب.. لا بتديّن ظاهري كشاول، بل بقلب منكسر وروح منسحق، طالبًا غفران المسيح وتغييره لقلبك.
أرجوك لا تهلك مثل شاول الملك...