نوح من الشخصيات المشهورة، وجاء ذكره بالارتباط بالفلك، ونجاته هو وأسرته من الطوفان الذي أغرق الأرض كلها. وهو ابن لامك، وأبو سام وحام ويافث، وجاء اسم نوح في الكتاب المقدس 54 مرة، وذكر في 9 أسفار. وعاش 950 سنة وعاصر أخنوخ من قبله وإبراهيم من بعده. وعندما نتأمل فيه نجد رموزًا جميلة ومباركة لربنا يسوع المسيح.
(1) ولادة نوح
تنبأ أخنوخ قبل ولادة نوح عن مجيء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع (يهوذا 14، 15)، وعندما وُلد نوح فرح لامك وقال: «هذا يعزّينا». وقبل ميلاد المسيح كانت آخر كلمات العهد القديم «آتي وأضرب الأرض بلعن» (ملاخي4: 6)، لكن عندما وُلد المسيح جاءت البشارة التي قالها ملاك الرب للرعاة: «ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب... وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين: المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة» (لوقا 2: 8-14).
(2) نوح: معنى اسمه “راحة” أو “تعزية”
عندما وُلد نوح قال لامك أبوه: «هذا يعزينا عن عملنا وتعب أيدينا من قبل الأرض التي لعنها الرب» (تكوين5: 29). كان لامك يعمل ويتعب في الأرض بدون راحة، ولكن عندما وُلد نوح، جاءت معه الراحة، وهو في هذا صورة للرب يسوع المسيح الذي يعطي الراحة الحقيقية من ثقل الخطيه لكل من يؤمن به، «تعالوا إلي يا جميع المتعبين وثقيلي الأحمال وأنا أريحكم» (متى11: 28؛ انظر مرقس6: 31)، لكن الراحة النهائية والكاملة عندما يأتي ربنا يسوع من السماء لاختطاف المؤمنين إلى بيت الآب (عبرانيين 4: 9). إن نبوة لامك أبيه تتطلع إلى المستقبل عندما يأتي ربنا يسوع ثانية ويخلص الأرض من لعنتها.
ومعنى آخر لاسم نوح هو: تعزية، «هذا يعزينا»؛ أي بولادة نوح جاءت التعزية، وفي هذا صورة للرب يسوع المعزي الذي قال لشعبه في القديم: «عزوا عزوا شعبي يقول إلهكم» (إشعياء 4: 1؛ 66: 13). وعندما كان الرب يسوع هنا على الأرض كان هو المعزّي للتلاميذ (يوحنا 14: 16). ويستطيع الآن أن يعزي ويشجع كل متألم وكل من يجتاز في تجربة؛ فهو الذي يشفي المنكسري القلوب والذي يعصب والذي يداه تشفيان. والذي بكى مرة عند قبر لعازر، يستطيع أن يجفِّف دموعنا. إنه ذو القلب المحبّ والعطوف المليء بالحنان. لذلك دعنا نأتي إليه بكل ما يؤلمنا؛ عندئذ نجد عنده التعزية والتشجيع.
(3) نوح المنفصل عن الأشرار
عاش نوح في وسط عالم مملوء بالشر والفساد والظلم، حيث كثر شر الإنسان، وكانت كل أفكار قلبه شريرة كل يوم، وفسدت الأرض أمام الله وامتلأت ظلمًا، إذ كان كل بشر قد أفسد طريقه على الأرض. لكن يذكر الكتاب: «وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب».
وعبارة «وأما نوح» ترينا اختلاف نوح وانفصاله عن هذا العالم الفاسد الشرير. وهو في ذلك صورة مباركة لربنا يسوع المسيح الذي «قد انفصل عن الخطاة» (عبرانيين7: 26)، و«لم يسلك في مشورة الأشرار، وفي طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس» (مزمور1: 1).
«ووجد نوح نعمة في عيني الرب»، صورة للرب يسوع الذي وجد الآب فيه كل سروره ورضاه، فلقد شهد عنه في المعمودية قائلاً: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت» (متى3: 17)، وحل الروح القدس عليه بهيئة جسمية مثل حمامة واستقر عليه.
(4) نوح رجلاً بارًا وكاملاً
عاش نوح حياة البِرّ العملي، وكانت حياته شاهدة لله الذي ارتبط به، فشهد له الرب: «إياك رأيت بارًا لديَّ في هذا الجيل» (تكوين7: 1). وهو في هذا صورة للرب يسوع البار الوحيد، الذي شهد عنه الروح القدس أنه «البار» (1بطرس 3: 18)، فهو القدوس. وقبل ولادته قال الملاك جبرائيل للمطوبة مريم: «القدوس المولود منك يُدعى ابن الله» (لوقا1: 35). وفي حياته قال - تبارك اسمه - لليهود: «من منكم يبكِّتني على خطية» (يوحنا 8: 46)؛ فهو «الذي لم يعرف خطية» (2كورنثوس5: 21)، و«لم يفعل خطية» (1بطرس2: 22، 23)، وأيضًا «ليس فيه خطية» (1يوحنا 3: 5). وعند الصليب شهد قائد المئة قائلاً: «بالحقيقة كان هذا الإنسان بارًا» (لوقا 23: 27).
بحق عاش المسيح - له المجد - حياة الكمال على الأرض، وهو المكتوب عنه: «لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمح أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ» (متى 12: 19).
(5) نوح السائر مع الله
أخنوخ ونوح هما الشخصان الوحيدان في الكتاب المكتوب عن كل منهما أنه «سار مع الله». والسير مع الله يعني أن يكون الشخص في شركة مستمرة مع الله وتوافق معه في أفكاره ومشاعره. ويتساءل عاموس النبي: «هل يسير اثنان معًا إن لم يتواعدا (أي يتفقا)؟» (عاموس3: 3).
لقد كان نوح سائرًا مع الله، أي في علاقة وشركة معه، وفي هذا هو صورة لربنا يسوع المسيح - كالإنسان الكامل - الذي عاش على الأرض ثلاثة وثلاثون سنة ونصف، وكان في شركة واتصال مستمر مع الله. وأول عبارة يسجلها الروح القدس عنه هو ما قاله للمطوبة مريم ويوسف النجار، عندما كان له من العمر 12 عامًا: «ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي؟» (لوقا2: 49). فمن خلال شركته مع الآب علم أنه ينبغي أن يمكث في الهيكل وسط المعلمين ليسمعهم ويسألهم. وعندما كان في البرية يجرَّب من إبليس، كان يحيا بكل كلمة تخرج من فم الله (لوقا4: 4). وطول حياته كانت إراداته متفقة تمامًا مع إرادة أبيه (يوحنا 5: 19، 20؛ 12: 49، 50). وقبل الصليب مباشرة، وهو في البستان، أفرغ نفسه في صلاة لله، مسلِّمًا الإرادة له. وفي نهاية آلامه فوق الصليب، استودع روحه في يدي الآب.
ليعطنا الرب أن نتمثل به.
(يتبع)